نيتشه وتلقّي مفكريّ فرنسا | محمد صلاح بوشتلّة

تستغرق 10 دقائق للقراءة
نيتشه وتلقّي مفكريّ فرنسا | محمد صلاح بوشتلّة

لأنه ذكي للغاية، ويصعب خِداعه، كي يَرضى عن أيّ مفكر أو كاتب أو حتى يظلمهما، فقد كان نيتشه يتخذ له قواعده الخاصة في أن يترك أحد المفكرين يفوز بودّه، فيتشمم بشكلٍ رائع، ووفق كل قواعد الرّيبة، روائح النبوغ الزّكية في هذا المفكر دون ذاك، فلا يمتدح إلّا النّوابغ الذين يحوزون بنبوغهم رضاه، ويُسجل لا مبالاته الكاملة بالآخرين أو يهجم على النّبغاء من الذين يختارون مواقع لم يحتملها يومًا، خاصّة ممن خدعت الكنيسة ذكاءهم. ولهذا يظفر كثير من الفرنسيين باحترامه؛ لأنهم في نظره -من بين سكان أوربا قاطبة- من أتقنوا الكتابة وأبدعوا في طرق التّأليف[1].

مكتبة نيتشه كانت ملأى بكتب الفرنسيين، وحينما كان يبتعد عنها في أسفاره إلى البلاد الأوربية، كان يأخذ منها الكثير، ففي لحظات السّفر التي تكون عادة فرصة سانحة للانصات لحديث النّفس وإلى كياناتها الدّاخلية، كان لنيتشه خيار آخر، فكان يختار أهم المؤلفين، وأحسن الكتب، وأقربها إلى قلبه، ليوجه حديثه إليهم، لذا نجده في رحلته إلى المدينة الإيطالية سورينتو التي استقر فيها لخمسة أشهر (من نهاية أكتوبر 1876 إلى 10 أبريل 1877)، وبعد يومٍ شاق من المشي بين بساتين البرتقال واللّيمون وحقول الكُمثرى، يلجأ حين عودته، إلى العزيز والمبجل عنده: فولتير، خاصّة رائعته: «صادق أو كتاب القدر» ثم يقرأ ما طاب له أن يقرأ من الأعمال الأخرى لفولتير الذي كان يطالعه على الرّيق وقبل النّوم، ثم يركن حين تتعب عيناه إلى الفرنسي العتيد ديدرو، فينصت، بآذان صاغية وقلب خاشع، لقراءة رواية جاك القدري بصوت صديقه بول ري الذي صار محسوبًا على الفرنسيين[2]، وذلك لساعتين متتاليتين، لا يفصل بينها إلّا وجبة العشاء؛ خاصّة وأن كلًّا من نيتشه وبول ري كانا من المعجبين المتحمسين للأدب الفرنسي القديم، كما تقول عنهما رفيقتهما في سورينتو الألمانية ذات الأصول فرنسية مالويدا من ميسينبوغ (Malwida von Meysenbug) التي كانت تقوم بتقشير البرتقال لهم مرّة، وقراءة بعض النّصوص الفرنسية العتيقة مرّة أخرى، والاستمتاع معهم بقراءة أجمل نصوص فولتير، وللمؤرخ الفرنسي ميتشيلي (Jules Michelet)، وللفرنسي الآخر داوديت (Alphonse Daudet). وحينما كان نيتشه يختلي بصديقه بول ري كانا يناقشان، لوقت متأخر، باستفاضة كتب سباستيان نيكولاس، وستندال. ثم هناك في بداية الرّبيع، حين عودة القارئ المفوّه بول ري إلى مدينته، سيواظب نيتشه برفقة مالويدا على القراءة لوحدهما، وإن بشكلٍ أقل حدّة؛ لأن القراءة أضرّت بعيون كليهما، ليختارا عنها المسامرة والتّحدث عن مواضيع من صميم قراءاتهما السّابقة.

في رحلة نيتشه إلى نيس سنجد نيتشه يقرأ برفقة بول لانزكي  لـ ستندال: «الأحمر والأسود»، ويقرأ ويتأثر بكثيرٍ من الأدباء القادمين من السّلالة الفرنسية، ويعجب بأغلبهم، كآرثر دي جوبينو Arthur de Gobineau المعروف باسم (Comte de Gobineau)، صاحب المقالة الشهيرة عن عدم المساواة في الأجناس البشرية (1853-1855)، وبالأعمال التّاريخية واللّغوية عن إيران القديمة التي بالتّأكيد زوّدت نيتشه بفكرة زرادشت. ويقرأ أيضًا Essais de psychologie contemporaine لصاحبه بول بورجيه (Paul Bourget)، وهو كتاب بالتّأكيد وطّد علاقة نيتشه بعباقرة فرنسا، خاصة مع تقديم بول بورجيه لتحليل نفسي عميق لخمسة من عباقرة فرنسا: بودلير، ورينان، وفلوبير، وتين، وستندال. وفي نفس الوقت تعرّف نيتشه، بشكلٍ عميق على كتابات بودلير، خاصّة كتاباته عن ريتشارد فاغنر، وعن عروض هذا الأخير الموسيقية في باريس، كما اطّلع على كتابات جون ماري غويو (Jean-Marie Guyau) الذي كان يُنظر إليه كنيتشه فرنسي آخر، حيث علّق بهوامش على كتابه «أخلاق بلا إلزام ولا جزاء» (Esquisse d’une morale sans obligation ni sanction)، بقلم الرّصاص، وقرأ موباسان الذي يشترك مع نيتشه في أكثر من صفة؛ منها على سبيل المثال لا الحصر: التّشاؤم، والألم الطّويل من تطورات مرض الزّهري، والانهيار المفاجئ الذي يرافقه الجنون الكامل في آخر العمر، والأسلوب المتقد، والسّفر جنوبًا من أجل البحث عن الرّاحة، والكتابة تحت وقع صفعات الألم واعتلال الصّحة، ثم مشاركتهما في حرب 1870 بين بلديهما، ثم موقفهما المناهض لها[3]، دون أن ننسى الموت في مرحلة العطاء (موباسان مات وهو ابن 42 سنة)، إلى جانب حبّهما المشترك لشوبنهاور[4]. موباسان الذي كان يصفه نيتشه بـ «اللاتيني العظيم» في مقابل كُرهه الشّديد لأستاذه جوستاف فلوبير الذي كان موباسان تلميذه المخلص، كما سيقرأ زولا (Zola)، وسيتأثر كثيرًا بالنّاقد الفرنسي سانت بوف (Sainte-Beuve) الذي كان يقدر نيتشه للغاية! [5]

يعترف نيتشه بأن المحيطين به من النّبغاء والمثقفين النّادرين كانوا في أغلبهم عارفين بالثّقافة الفرنسية، فلا ألماني عبقري بقي دون الانفتاح على الفضاء الثّقافي الفرنسي، يقول معترفًا: «المثقفون النّادرون الذين التقيتهم في ألمانيا يدينون بثقافتهم لفرنسا، وفي مقدمتهم السّيدة كوزيما فاغنر»[6]. فاغنر الموسيقي الذي يعرف ماذا تعنيه فرنسا، لكن يكتم أمرَ معرفته لصالح نزعةٍ قومية جرمانية مريضة تستبد بعقله وعواطفه. وزوجته كوزيما المرأة ذات الثّقافة الفرنسية القوية التي أهدت نيتشه كتاب مونتاني الذي سيتخذه نيتشه صديقًا لا زمنيًا مُهمًّا وأساسيًا. أما السّيدة كوزيما فاغنر فيعدّها في مقدمة المثقفين والعارفين بكل ما هو فرنسي، ولهذا سيعتبرها: «الصّوت الذي اعتبره حُجة في ما يخصّ الذّوق»[7].

بالإضافة إلى بول ري الخبير الذكي بالنّصوص الفرنسية، وبالأخص نصوص ستندال، وصديقه الآخر مؤرخ الأديان فرانز أوفربيك (Franz Overbeck)، المولود من أمٍ فرنسية، والذي تربّى على الكتب الفرنسية، بالإضافة إلى زوجته السّيدة إيدا العارفة بالثّقافة الفرنسية إلى درجة أهّلتها إلى ترجمة مقالات النّاقد المفضل عند نيتشه سانت بوف (Saint-Beuve)؛ المقالات التي كتبها هذا النّاقد البغيض عند الألمان عن الكتّاب الفرنسيين في القرن الثّامن عشر. عن هذين الزّوجين سيتلقى نيتشه مساعدات جمّة في التعرّف على النّصوص الفرنسية، كما سيقدّمان مساعدتهما في ترجمة كثير من النّصوص غير المترجمة، وقد كانت بينهما رسائل كثيرة ووفيرة، وكذلك كانت السّيدة إيدا روثبليتز. ناهيك عن السّيدة مالفيدا فون ميسنبغ، التي تعتبر أحد أهم مصادر نيتشه عن فرنسا والأدب الفرنسي، وعن باريس حيث تركت ابنة بالتبّني. بالإضافة إلى تواصل نيتشه الجيّد مع المؤرخ الفرنسي غابرييل مونود (Gabriel Monod) صاحب كتاب [8]Allemands et Français, Souvenirs de Campagne.

لكل هؤلاء، كان جانب من عبقريتهم مصدره فرنسي، تعرّفوا عليه، أو تذوّقوه أو لامسوه، كما حال الألمان القدامى، كحالة ليسينغ أحد العلماء الثّلاثة برفقة غوته، ووينكلمان الذين كانوا ممن وضعوا الوجود الثّقافي الألماني بمجهوداتهم في القمة، بحسب شهادة نيتشه. ليسينغ الذي على الرّغم من تعرضه بالتّجريح للفرنسية، وعلى الأدب والدّراما والشِّعر الفرنسي، وعلى أسماء فرنسية كبيرة كفولتير جون راسين (Jean Racine‏)، وبيير كونيي (Pierre Corneille)، في كتابه Hamburgische dramaturgie، غير أنه، بحسب نيتشه، لم يُترجم بيير بايل إلى الألمانية اعتباطًا، وإنما لأنه كان يبحث طوعًا في بيير بايل (Pierre Bayle)‏، عن ملجأ في أنحاء الجهات التي يحكمها ديدرو، ويبحث عن موقع له بقرب البلاد التي تَدين بالولاء لفُولْتِير، أيّ البحث في النّاحية الفرنسية عن قواعد خلفية يستخدمها في أطماعه التوسّعية، وفي نفس الوقت ليهرب مما هو ألماني سرًّا فـلقد «كان ليسينغ يتصنّع العقل الحرّ حتى في طريقة أسلوبه؛ وكانت تلك طريقته في الهروب من ألمانيا»[9]، ويفاجئ نيتشه أيَّ فرنسي وأيَّ ألماني حينما يعتبر أن ميزة ومَزيّة هذا الألماني ليسينغ هي فرنسيته الأصيلة، فـ«قد تردد بمثابرة، بوصفه كاتبًا، على المدرسة الفرنسية: إنه يعرف كيف يُرتّب أموره ويعرضها بشكلٍ جميل في الواجهة. لولا هذا الفن الحقيقي لظلت أفكاره، تمامًا مثل مواضيعها، في دائرة الظّل»[10]، في إشارة من نيتشه إلى تأثر ليسينغ المبكر بما هو فرنسي، فقد كان ابن الاثني عشر ربيعًا حينما رغب في تقليد مسرحيات موليير، وليسينغ هنا ليس سوى نموذج واحد لنماذج كثيرة من داخل الأقاليم الألمانية، تُشكل فئة لا بأس بها، تدين بالولاء الثّقافي خفية لفرنسا فـ«ـالذين ينتمون إلى هذا الكيان الفرنسي ما زالوا يتحركون طي الخفاء: ربما هم فئة قليلة من الذين يتجسد فيهم ويحيا من خلالهم هذا الكيان، وربما يضاف إليهم عدد من الذين لم يقْوَ عظمهم بعد، وهم إما قدريون وقاتمون ومرضى، أو متفرقون ومتكلفون، منتهى طموحهم أن يغدوا متكلفين؛ غير أنهم يمتلكون كل ما ظل العالم محتفظًا به من أشياء سامية ورفيعة»[11].

نيتشه يذهب باستحسان الذائقة الأدبية والفلسفية عند الفرنسيين إلى الاستعانة بحكم أفلاطون وذوقه على كل من الجهتين، فيقول: «حتى أفلاطون ماذا كان يستطيع إجمالًا أن يفهمه من أعمال أفضل المفكرين الألمان، غوته أو شُوبنهاور مثلًا، حتى لا نقول شيئًا عن النّفور الذي سيشعر به من أسلوبهم يتضّمن الغموض والتفخيم، ومن هزالة أحيانًا،  وهي عيوب يعاني منها غوته وشُوبنهاور بشكلٍ أقل، ولكنهما مع ذلك يعانيان كثيرًا (…)، على العكس من ذلك نجد لدى هؤلاء الفرنسيين وضوحًا ودقة رشيقة كبيرين»[12].

[1]– في نص مطوّل في كتابه السّيري: هذا الإنسان؛ يختصر لنا نيتشه علاقته بالمفكرين والكُتّاب الفرنسيين، فيكتب: «أول ما يجب على المرء فعله أثناء فترة الحضانة الفكرية هو الانعزال. هل سأطيق أن تتخطى أفكار أجنبية السّور الواقي وتقتحم عَلّي بيتي؟ هذا ما سيحدث لو شرعت في القراءة … بعد الانتهاء من العمل وانصرام وقت الخصوبة يأتي وقت التّسلية: إليّ أيتها الكتب الممتعة، يا كتب الفكر والعلم! هل سأقرأ كتبًا ألمانية؟ يجب أن أعود ستة أشهر إلى الوراء لأفاجئ نفسي ممسكًا كتابًا من هاته في اليد. (…) الكُتّاب الذين أعود لقراءتهم في نهاية المطاف هم الكتاب الفرنسيون القدماء: فأنا لا أؤمن بحضارة غير الحضارة الفرنسية، وأعتبر كل من يرى نفسه في أوروبا ضحية سوء فهم؛ المثقفون النّادرون الذين التقيتهم في ألمانيا يدينون بثقافتهم لفرنسا، وفي مقدمتهم السّيدة كوزيما فاغنر، الصّوت الذي أعتبره حجة في ما يخص الذّوق. نعم أنا أقرأ باسكال، وأحبه باعتباره أحد ضحايا المسيحية المثقفين، كان ضحيتها جسديًا لمدة طويلة، ثم روحيًا، ضحية منطقية لأفظع شكل من أشكال القسوة الإنسانية، ربما أكون قد أخذت من مونتاني شيئًا من حدة الطّبع العقلي، وربما الجسدي كذلك؛ وأدافع، في غير ما شراسة، عن فن موليير، وكورنييْ وراسين، ضدّ العبقرية البربرية لشكسبير، ولكنني أقرأ كذلك للكتّاب الفرنسيين الجدد الممتعين. إنني لا أجد أي قرن يحفل بعدد كبير من علماء النّفس الرّقيقين والمحبين للاطلاع كهذا العدد الذي قد نجده اليوم في باريس: أذكر من بينهم، على سبيل الذّكر لا الحصر، م. م. بول بورجي (M.Paul Bourget Meilhac)، بيير لوتي (Pierre Loti)، جيب GYP، ميلهاك (Meilhac)، أناتول فرانس (Anatole France)، جيل لوميتر (Jules Lemaître)، أو أحد اللّاتينيين الحقيقيين الذي أحبه أكثر، وهو كاتب كبير ومتميز، أقصد موباسان (Maupassant de Guy)» (ف. نيتشه، هذا الإنسان؛ ترجمة محمّد النّاجي، الدّار البيضاء : أفريقيا الشّرق، 2013، ص. ص. 36 ـ 37.).

[2]– يُدخل نيتشه صديقه بول ري ضمن زمرة أصحاب الدّراسات الرّائدة في خضم حديثه عن لاروشفوكو وسواه من أرباب الدّراسة النّفسية الفرنسيين (الذين انضم إليهم مؤخرًا هذا الألماني مؤلف ملاحظات نفسية)، والذين يشبهون عند نيتشه «الرّماة الذين يسددون بدقة ويصيبون الهدف في الظّلمة بانتظام، في ظلمة الطّبع الإنساني. إن براعتهم لتستدعي الاندهاش، إلى أن يلعن هذا الذي يبدو أنه يرسخ في النفس الميل إلى الانتقاص من شأن الإنسان والشّك فيه.» (ف. نيتشه، إنسان مفرط في إنسانيته: كتاب العقول الحرة، ترجمة محمّد الناجي، الدّار البيضاء : أفريقيا الشرق، 1998-2001، الشّذرة: 36، “نقطة نظام”، ج. 1، ص. 41.).

[3]– كَتب موباسان قصصًا جمعت في ستة عشر مجلدًا قصصيًا، وكثير منها بالغ فيها موباسان في اتهام وانتقاد مشاريع الحرب التي غالبًا ما تكون منبثقة من العداء المستحكم بين فرنسا وألمانيا. هاجم أفكار الصّراع والموت، ووضّح في كتاباته عبثية الحرب وجنونها ونتائجها الوخيمة وغير المفهومة أساسًا، معيدًا صياغة المعاني المرتبط بالشّجاعة والبطولة، مختلقًا لها من الفرنسيين والألمان على حدٍ سواء أبطالًا، المشترك بينهم أنهم يمقتون الحرب، ويبحثون لهم عن مساحات للعيش الهنيء والحب؛ ففي «مغامرة فالتر شنافس» (ضمن غي دي موباسان، صديقان وقصص أخرى، ترجمة: سيلفانا الخوري، مراجعة: كاظم جهاد، كلمة، أبو ظبي، ط 1، 1434 ه، 2013 م، ص. 47. 60.) يُصور الحرب ككذبة والأعداء كوهم جماعي، بطل القصّة جندي ألماني يكره المدافع والبنادق لصالح حبه لأطفاله الأربعة ولزوجته الشّقراء، واشتياقه لعنايتها الصّغيرة، لتكون بطولته في حيازته على لقمة يقتات بها ولو على حساب استسلامه، وقصة «الأم سوفاج» (ضمن غي دي موباسان، صديقان وقصص أخرى، ص. 33 ـ 46) التي تحكي عن استضافة عجوز فرنسية لأربعة جنود ألمان في حرب 1970، تقدم لهم الطّعام، وتسألهم عن ابنها في الفرقة الثّالثة والعشرين الفرنسية التي ينتمي إليها ابنها، ويحيطونها في المقابل بعنايتهم، لتملأ عِليّتهم حيث ينامون بالقش وتوقد النّار فيهم، انتقامًا من موت ابنها في المعركة على يد الألمان.

[4]– كتب موباسان قصة جميلة عن شوبنهاور عنونها بـ Auprès d’un mort نُشرت في 30 يناير 1883 في جريدة Gil Blas، وأعيد نشره بعد عشر سنوات من النشرة الأولى، ضمن مجموعته القصصية: Le colporteur.

[5]– رغم من أن نيتشه ينهال عليه بأوصاف قادحة، غير أنه يعترف له بالعبقرية وقوة العارضة في التّحليل النّفسي للأدباء مرة، ثم ينهال عليه مرة أخرى بالنقد المسف من كون كتاباته لا أثر للرجولة فيها. وأنه كتلة حقد وضغينة تجاه العقول الكبيرة التي تعامل معها على مستوى النّقد. رقيق نعم، غير أنه فضولي، وضجر، ومتلصص، وبالإضافة إلى كل هذه الصّفات التي يلصقها سانت بوف، يكلل رأسه بهذه التّهمة الشّنيعة أنه كائن أنثوي في الجوهر، بل إنه نصف أنثى، دون أن يمنعه ذلك من أن يكون داعرًا مُقرًّا بدعارته، يتحرك برغبة انتقامية وبشبقية أنثوية، ويمزج مدحه له باتهامات غير أخلاقية؛ فهو عبقري غير أنه عبقريته عبقرية اغتياب لا ينضب، وإلى جانب ذلك فلا أحد يفوقه في إتقان دَسّ السّموم داخل المديح، وضغينته لها قرابة بروسو. ومن ضغينته أنه يشعر بالمرارة أمام كل عظيم في الإنسان وفي الأشياء.

[6]– ف. نيتشه، هذَا الإنسَان، ص. 36 ـ 37.

[7]– المصدر نفسه، ص. 36 ـ 37.

[8]Allemands et Français, Souvenirs de Campagne: Metz – Sedan – La Loire, Sandoz et Fischbacher, 1872.

[9]– ف. نيتشه، ما وراء الخير والشّر، ترجمة: حسان بورقية، الدّار البيضاء: أفريقيا الشّرق، 2006، ص. 42.

[10]– ف. نيتشه، المُسافِر وظلُّه، ضمن إنسان مُفرط في إنسانيته، ج 2، الشّذرة: 103، “ليسينك”، ص. 152.

[11]– ف. نيتشه، نيتشه ضد فاغنر؛ ترجمة علي مصباح، بيروت؛ بغداد: منشورات الجمل، 2016، ص. 113.

[12]– ف. نيتشه، إنسان مفرط في إنسانيته، ج 2، الشّذرة: 214، كتب أوربية، ص 183.

مررها   كن جزء من مجتمع مرّرها اشترك بنشرتنا.