«تتجاوز مشارَكتنا تسويق الإنتاج السينمائي في المملكة؛ إذ تهدف إلى تقديم المواهب المحلية على الساحة العالمية». – م.م عبدالله آل عيَّاف
لِسعي المملكة العربية السعودية لأن تكون وِجهة عالمية لصناعة السينما، مِن خلال تعزيز صناعة السينما المحلية، والحضور في المَشهد السينمائي العالمي؛ تحقيقًا لرؤية 2030، ولمستهدفات وزارة الثقافة بقيادة سموّ الوزير الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود؛ شارَكت هيئة الأفلام، في الدورة الـ 74 لمهرجان برلين السينمائي الدولي 2024: «برلينالي». وذلك ضمن جناح الوفد السعودي المُمثّل في كلٍّ من: نيوم، فيلم العُلا، الصندوق الثقافي، مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، مبادرة: استثمر في السعودية. في الفترة المُمتدة ما بين 15-25 فبراير 2024، في مقرِّ «قصر برلينالي»، الواقع في منطقة مارلينه ديتريش، في العاصمة الثقافية الأوروبية الألمانية العَرِيقة برلين.
يُعد الـ «برلينالي»، الذي بدأ بافتتاح موسم المهرجانات السينمائية الكبرى منذ تأسيسه عام 1951، المهرجان الأهمّ نقديًّا، وأحد أكثر المهرجانات ازدحامًا بالجمهور السينمائي، حيث اُعتبر مُلتقىً لصُنَّاع السينما؛ لحرصه على اختيار الأفلام التي تُمثّل الاتجاهات الفنيَّة في السينما العالمية، بجانب تكريمه للشخصيات التي أسهَمت في صناعة السينما. فيما يسعى المهرجان دومًا لخلق مساحة للحوار من باب السينما؛ باعتباره مساحة مُهمة دائمة للجغرافيا السياسية؛ وذلك في محاولةٍ منه لخلق التوازن السينمائي ما بين الفنّ والسياسة وجماهيرية هوليوود.
هَدَفَت الهيئة من خلال مشارَكتها في الدورة الـ 74 لمهرجان برلين، كما ذكر الرئيس التنفيذي لهيئة الأفلام المخرج والمهندس عبد الله آل عيَّاف: «تتجاوز مشارَكتنا تسويق الإنتاج السينمائي في المملكة؛ إذ تهدف إلى تقديم المواهب المحلية على الساحة العالمية»؛ وذلك من خلال تشجيع المواهب المحلية للمشاركة في المهرجانات السينمائية العالمية، تبادل الخبرات وتكوين الشرَاكات السينمائية بين المملكة والعالم، تعريف المجتمع السينمائي ببرامج ومبادرات الهيئة وقطاع الأفلام في المملكة، بجانب تطوير وجذب الإنتاج السينمائي العالمي إلى المملكة.
وضمن فعاليات المشاركة التي تستهدف الترويج لمواقع التصوير المُلهمة والخلاَّبة المتنوعة في المملكة من أجل استقطاب الإنتاج العالمي؛ نظَّمت هيئة الأفلام، في الـ 18 من فبراير الجاري، في قاعة المهرجان الرئيسة، جلسة بعنوان: «برامج التمويل ومواقع التصوير في المملكة»، أدارها: عبدالله الرشيد، مدير إدارة الترويج السينمائي في هيئة الأفلام، وشارَك فيها مدير عام تنمية القطاع وجذب الاستثمار في هيئة الأفلام المخرج والمنتج عبد الجليل الناصر، بجانب كلّ من: واين بورغ، مدير عام قطاع الإعلام والثقافة في نيوم. وشارلين جونز، المديرة التنفيذية لفيلم العُلا. وفيصل العسيري، مدير برامج تمويل قطاع الأفلام في صندوق التنمية الثقافي.
حيث تمحور الحديث حول الارتفاع الملحوظ في مستوى الاهتمام والإيرادات المحلية للأفلام السعودية مقارنةً بالزَّخم السابق لأفلام هوليوود، بجانب الترويج لالتزام المملكة بتقديم مواقع تصوير متنوعة وبُنية تحتية قويَّة ومُستدامة لصُنَّاع الأفلام. ومِن ذلك توفير المشروع الواعد الأضخم «نيوم» لمواقع تصوير متنوعة، بجانب تعزيز التعاون مع المجتمعات المحلية والشركاء الدوليين. فيما يحقَّق التعاون بين نيوم والعُلا مزيدًا من التطور؛ باعتبارهما الوِجهتين المميزتين للتصوير السينمائي؛ وذلك من أجل استقطاب المزيد من المواهب ومحترفيّ السينما، ومن ثمّ الاستثمارات الدوليَّة؛ ما يساهم في فتح أبواب التعاون وتبادل الخبرات مِن هُنا والآن مع العالَم.
أمَّا صندوق التنمية الثقافي فيقدِّم دعمًا ماديًّا أساسيًا للصناعة السينمائية؛ حيث أعلن على هامش الدورة الـ 74 لمهرجان برلين السينمائي الدولي، تأسيس الصندوق السعودي الأوّل للاستثمار في قطاع الأفلام؛ بهدف تمويل مشاريع الإنتاج السينمائي النوعيّ في المملكة.
فيما تلتزم هيئة الأفلام بتعزيز سِلسلة القيمة في قطاع الأفلام مِن تصوّر الفكرة حتى مرحلة التوزيع والتمويل؛ حيث أكَّد مدير عام تنمية القطاع وجذب الاستثمار في هيئة الأفلام المخرج والمنتج عبد الجليل الناصر، في حديثه «الالتزام بتنمية قطاع صناعة الأفلام في المنطقة والعالَم أيضًا، وجعله أحد أكثر الوِجهات جاذبية».
وخَلَصت الجلسة إلى أنّ هذه الأمور مُجتمعة تشير إلى تَنَامي الجهود لتوفير الفرص لدعم المواهب في المجتمعات المحلية، بجانب القُدرات الهائلة لدعمِ واستضافة المزيد من الإنتاج العالمي في المملكة.
ضمَّت الدورة الـ 74 لـ «برلينالي» مشاركة 200 فيلم، تتنافس في المسابقة الرسمية 20 منها -بإنتاجٍ دوليّ مشترك شمل 30 دولة، منها العرض العالمي الأوّل لـ 19 فيلمًا- على جوائز الدِّببة الذهبيَّة والفضيَّة المرموقة، المُقدَّمة من لجنة تحكيم المهرجان، التي تترأسها لهذا العام النجمة الأوسكاريَّة المكسيكية/الكينية لوبيتا نيونغو.
بدايةً بافتتاح الدورة الـ 74 بالعرض العالمي الأوّل للفيلم الإيرلندي المقتبس عن رواية كلير كوغان -المُشارك ضمن عروض المسابقة الرسمية-: «أشياء صغيرة كهذه» للمخرج تيم ميلانتس، وبطولة النجم كيليان مورفي، الذي يُكمل حصد الجوائز؛ باعتباره المُرشَّح الأقوى لجائزة أوسكار 2024 كأفضل ممثل، عن دوره في فيلم: «أوبنهايمر 2023» للمخرج الكبير كريستوفر نولان.
أمَّا المشاركة العربية فقد تنوَّعت ما بين: الفيلمين الَمدعومين من صندوق البحر الأحمر: الفيلم الموريتاني: «شاي أسود» للمخرج عبدالرحمن سيساكو، الحاصد جائزة سيزار كأفضل مخرج 2015، عن فيلم: «تمبكتو 2014»، المُرشَّح للمنافسة على السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي الدولي، والُمرشَّح لجائزة أوسكار 87، كأفضل فيلم بلغةٍ أجنبية. والفيلم التونسي: «ماء العين»، الذي يعتبر الروائي الأوّل للمخرجة مريم جعبر.
فيما تنوَّعت المشاركة الأوروبية بدايةً بالفيلمين الفرنسيين: فيلم: «الإمبراطورية» للمخرج الكبير برونو دومون، وفيلم: «وقت معلَّق» للمخرج الكبير أوليفيه أساياس الذي يشارك للمرّة الأولى في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين. والفيلم الألماني: «مِن هيلدا.. مع حبّي» للمخرج الكبير أندرياس دريسن -أحد مؤسسيّ الموجة الألمانية الجديدة-، بمشاركةٍ خامسة تسرد التفاصيل الحقيقية لمجموعة: «الأوركسترا الحمراء». والوثائقي الروسي: «أركيتيكتون» للمخرج فيكتور كوساكوفسكي.
بجانب الفيلم النمساوي: «حمام الشيطان» للثنائيّ فيرونيكا فرانتز وسيفرين فيالا. والفيلم الإيطالي: «نهاية أخرى» للمخرج بييرو ميسينا. والفيلم الإخراجي الأوّل للمغنية الإيطالية مارجريتا فيكاريو: «غلوريا!». والفيلم الفرنسي: «لغة أجنبية» للمخرجة كلير برجر، التي تشارك في مهرجان برلين للمرّة الأولى. والفيلم الدنماركي: «أبناء» للمخرج جوستاف مولر، الذي يعتبر الفيلم الاسكندنافي الوحيد المشارك في هذه الدورة. وأيضًا الفيلم الألماني: «احتضار» للمخرج التلفزيوني ماتياس جلازنر.
ومن آسيا: الفيلم الكوري الجنوبي: «احتياجات مسافر» للمخرج الكبير هونغ سانغ سو -الغزير الإنتاج-، الذي يشارك للمرّة السابعة في مهرجان برلين. ولمخرجيّ فيلم: «أغنية بقرة بيضاء» الثنائيّ الإيراني مريم مقدّم وبهتاش، فيلم: «كعكتي المفضَّلة»، الفيلم الوحيد المشارك الذي أصدر المهرجان بيانًا رسميًّا لدعم مُخرجيه. والفيلم النيبالي: «شامبالا» للمخرج مِين بهادور بام، الذي يعتبر النيبالي الأوّل الذي يشارك في مهرجان برلين على الإطلاق.
ومن أميركا الشمالية: من الولايات المتحدة: فيلم: «رجل مختلف» للمخرج آرون شيمبرج، الفيلم الوحيد المُشارك الذي عُرض للمرّة الأولى في مهرجان صندانس السينمائي الأميركي. ومن جمهورية الدومينيكان فيلم: «بيبي» للمخرج نيلسون كارلو دي لوس سانتوس آرياس، الذي يعتبر الأكثر غرابة من أفلام المسابقة الرسمية، حيث يرويه فرَس النهر.
بجانب فيلم من أميركا الجنوبية: المكسيكي: «المطبخ» للمخرج ألونزو رويزبالاثيوس، الدائم الحضور في مهرجان برلين. وفيلم من إفريقيا: الوثائقي السنغالي: «داهومي» للمخرجة ماتي ديوب.
وشَهدت اختيارات هذا العام التنوع الكبير والفارق بين الأصوات -المُخضرمة والواعدة- والأساليب السينمائية، حيث ذكر كارلو شاتريان، المدير الفنّي لمهرجان برلين السينمائي الدولي -الذي سيغادر منصبه بعد ختام الدورة الـ 74- أنّ الهدف من هذا التنوع هو «الحرص على عرض القصص المتنوعة الرُّواة؛ لإظهار الإمكانيات الكبرى للغة السينمائية».
بحضور عددٍ من صُنَّاع السينما العالميين، في الـ 20 من فبراير الجاري، وسط التصفيق الحارّ، قدَّم مخرج «طريق الملوك 1976»، -رائد السينما الألمانية المُستقلة، المُرشَّح لأوسكار 2024 عن فيلم: «أيَّام مثالية 2023»- فِم فندرز، «الدُّب الذهبي الفخري» لمخرج «سائق التاكسي 1976» -المُرشَّح لأوسكار 2024 عن فيلم: «قَتَلة زهرة القمر 2023»- الكبير مارتن سكورسيزي؛ تقديرًا لمسيرته الفنيَّة. وقد بدأ خطاب تكريمه بالحديث عن تاريخ الـ «برلينالي»، وعن تأثيره عليه كمخرج، خاصةً في عام 1968؛ باعتباره نقطة تحوّل لصُنَّاع السينما الأميركية، بحسب قوله: «نحن جميعًا الذين كُنَّا نعمل في ذلك الوقت بميزانيةٍ مُنخفضة في هوليوود».
وجاء تكريم أسطورة هوليوود، الذي صنع الشخصيات التي تُبنَى عليها الشخصيات السينمائية، والتي قدَّمت دراسة للتاريخ الأميركي من خلال الشاشة، وفقًا لـ شاتريان -المدير الفنّي لمهرجان برلين-؛ باعتبار أنّ «مَن أراد أن يرى السينما كفنّ يروي القصص بشكلٍ شخصيّ وعالمَيّ في الآنِ ذاته؛ فإنّ مارتن سكورسيزي هو النموذج الأمثل لذلك».
فيما قدَّم المهرجان الجائزة الخاصة «كاميرا برلينالي» للمؤلف والمنتج ومخرج ثلاثية «مسقط رأس 1984-2004» الكبير إدغار ريتز، أحد الذين وقَّعوا عام 1962، على بيان أوبرهاوزن، الذي ينصّ على التجديد في إنتاج الفيلم الألماني، تحت الشِعار الشهير: «سينما بابا ماتت»؛ وذلك نظير مساهمته الرائدة في تجديد السينما الألمانية.
اُختتمت فعاليات الدورة الـ 74، في « قصر برلينالي»، في الـ 24 من فبراير الجاري، بِمنح المخرج الكوري الجنوبي الكبير هونغ سانغ سو – للمرَّة الرابعة- جائزة لجنة التحكيم الكبرى «الدُّب الفضي»، عن فيلم: «احتياجات مسافر». بجانب منح المخرج الدومينيكاني كارلوس دي لوس سانتوس أرياس جائزة «الدُّب الفضي» لأفضل مخرج، عن فيلم: «بيبي». أمَّا الجائزة الكبرى «الدُّب الذهبي» لأفضل فيلم، فقد مُنحت لفيلم: «داهومي» للمخرجة الفرنسية/السنغالية ماتي ديوب، التي وثَّقت استعادة جمهورية بَنين للأعمال الفنية المنهوبة مِن قِبل المُستَعمِر الفرنسي؛ وذلك في محاولةٍ «لنسيان الماضي، أو حَمله للمُضيّ قُدُمًا»، كما ذكرت أثناء تكريمها.
فيما اختَتَمت هيئة الأفلام مشارَكتها في الدورة الـ 74 لمهرجان برلين السينمائي الدولي 2024، بعدة نتائج كان مِن أبرزها: تعزيز مكانتها الرياديَّة للسينما السعودية في المحافل السينمائية العالمية، الترويج لمواقع التصوير المُلهمة في المملكة لاستقطاب الإنتاجات السينمائية العالمية؛ وذلك في محاولةٍ حثيثة منها لخلق فرصٍ للتبادل المعرفي والثقافي، والتعريف عالميًا بالمبادرات والجهود الكبرى التي تشهدها صناعة السينما في المملكة؛ من أجل دعم وتطوير صناعة السينما المحلية، كما ذكر الرئيس التنفيذي لهيئة الأفلام المخرج والمهندس عبدالله آل عيَّاف: «لرواية قِصصنا المحليَّة بالشكل الذي يَليق بها».