لا عجبَ ألا يملك الأسقف بيركلي وقتًا للحسّ المشترك، فهو الرّجل الذي أنكر وجود المادّة. لقد اشتكى في كتابه «مبادئ المعرفة البشريّة» من «الرّأي الغالب بين البشر وهو أنّ المنازل، والجبال، والأنهار […] لها وجود طبيعي أو حقيقي مُميز عما هو مُدرك حسيًا». وهذا الرّأي -في نظر بيركلي- ليس مُضلّلًا فحسب، بل إنّه «تناقضٌ بارزٌ».
فبحسب بيركلي ثمّة ثلاثة أنواعٍ من الأفكار: الأفكار المطبوعة على حواسّنا، والأفكار المُدرَكة من خلال الانفعالات وعمليّات الذّهن، والأفكار المكوّنة بمعونةٍ من الذّاكرة والمخيّلة. أمّا ما يسمّى بالأشياء العاديّة، أي المنازل، والجبال، والأنهار، وغيرها، فهي في الواقع مجموعاتٌ من الأفكار التي نطلق عليها اسمًا واحدًا.
فالمنزل، على الأقل، هو مجموعةٌ من الأفكار التي كوّنتها حواسّنا، وتفكّرنا الذّهنيّ، ومُخيّلتنا. ولكنْ أليس المنزل شيئًا أكثر من ذلك؟ ألا يوجد شيءٌ مادّيٌّ تُؤسس عليه هذه الأفكار؟ قال جون لوك إننا نستطيع التّمييز بين الصّفات الأوّليّة والصّفات الثّانويّة للشيء. وفي حين أقرّ لوك بأنّ الصّفات الثانويّة مثل اللّون، والسّمع، والتذّوق، والشّمّ، هي مجرّد أفكارٍ، إلا أنه أكّد في الوقت نفسه أنّ الصّفات الأوّليّة مثل الصّلابة، والعدد، والحركة هي خصائص الأشياء ذاتها؛ إذ إنّ صلابة منزل ما توجد على نحوٍ مستقلٍّ عن إدراكنا الحسي له.
وردًّا على لوك، طلب بيركلي من قرّائه محاولة تخيّل صلابة أو حركة شيء ما من دونِ أن يُلحقوا به لونًا أو غيره من الصّفات الحسّيّة التي سلّمنا بوجودها فقط في الذّهن. إنّ استحالة القيام بهذا الأمر أفضى به إلى استنتاجٍ مفاده: «Esse est percipi»وجودك هو أنْ تكونَ مُدرَكًا.
أحدثت حجج بيركلي بلبلةً، منها ما ذكره بوزويل في سيرة حياة صموئيل جونسون عن موقف هذا النّاقد الأدبيّ الكبير من عقيدة الأسقف بيركلي: «لن أنسى مُطلقًا الحماسة التي ردّ بها جونسون، حيث ركل بقدمه حجرًا عظيمًا بقوة كبيرة فارتد وقفز من الضربة، ثمّ قال: “وبذلك، فقد دحضت هذه الحُجج”».