إذا أردنا أن نبدأ بالمقدِّمات التعريفية، كما نفعل في الرياضيات، أو في أيّ عِلم آخر من العلوم الوضعية، فإنّ «دينونة الله» هي في الواقع، الوصف الذي يَرد في الكتب السماوية: (الإنجيل، والقرآن الكريم، والتوراة)؛ التي تحدّد كيف تتحقّق العدالة. يذكر الكتاب المقدّس (holy Bible) تحديدًا سرديّات عديدة تحقّقت فيها الدينونة، من خلال كارثةٍ طبيعية حلّت بالبشر، لكنّه لا يدّعي أنّ كل كارثة طبيعية هي عقاب، أو حُكم مباشر من الله.
بعض تلك الكوارث مألوفة في أجزاءٍ كثيرة من العالم، كطوفان نوح، وسدوم وعمورة، والأوبئة التي حلّت بمصر في زمن موسى. أعلن الله أنّه أمرَ بحدوث هذه الكوارث؛ كأحكامٍ على الخطيئة البشريّة التي تُفسّر بوصفها إخفاق أخلاقيّ في العيش والتصرّف، وفقًا للطُرق التي أعلن الله بأنّها الطرق الفُضلى. إنّ صراحة هذه النصوص تستدعي معالجة الإشكالية الآتية: «كيف ولماذا يُمكن تبرير توسّل إله اليهودية – المسيحية، هذه الأحداث للحُكم على الخطيئة البشرية؟».
تجدر الإشارة إلى أنّ الكتاب المقدّس يذكر العديد من الكوارث دون ربطها بالدينونة؛ إذ يرصد المجاعات في قصص إبراهيم، ويوسف، ونُعمي، وداود، وإيليا، والكنيسة المسيحية الأولى، وقد ذُكرت هذه الأحداث في رواياتٍ مختلفة، بعضها كان لها تأثيرات كبيرة، وأخرى لم يكن لها الأهمية عينها. وجديرٌ بالذّكر أنّ الكتاب لم يقل إنّ الله كان له دور في هذه الكوارث، لذا فالرسالة الضمنية هي أنّ الكوارث قد تحدث، وأنّ الناس يستجيبون بطرقٍ عملية كما هو الحال اليوم. وعليه، لا يدّعي الكتاب المقدّس أنّ دينونة الله يمكن أن تتحقّق في كل كارثةٍ محتملة.
بالنّظر إلى الادعاء الكتابي بأنّ الله أدان البشر بإنزال كارثةٍ طبيعية، يتساءل الكثيرون عمّا إذا كانت كارثة معيّنة -مثلًا الزلزال الذي حلّ بتركيا وسوريا في شباط 2023 هو دينونة من الله أو عقاب-، وحتّى لو لم يكن يُنظر إلى هذا الحدث الفظيع بوصفه عقابًا من الله، فإنّ ثمّة من يتساءل: «لماذا لا يحمي الله الناس من الأذى؟». إذا كان «الإله» في المعتقد المسيحي هو إله محبّ يهتمّ بأبنائه، وهو أيضًا إله قويّ له سلطان على الطبيعة، فلماذا إذن يسمح بالكوارث؟
طُرحت مثل هذه الأسئلة خلال العصور المسيحية وتطوّرت ردود فلسفية-لاهوتية مختلفة تندرج تحت «نظريّة العدالة الإلهية» (Théodicée)، وهي اصطلاح صكّه الفيلسوف الألماني جوتفريد لايبنيز (Gottfried Leibniz)، إذ نشر لايبنيز مؤلّفه (Théodicée) في عام 1710، حيث أشار إلى أنّ «الله خلق أفضل ما في العوالِم الممكنة». في البدء لاقى هذا الاعتقاد حفاوة، إلّا أنّ بعد زلزال لشبونة العظيم، تعرّضت أطروحته لنقدٍ متعدد، لا سيّما من قِبل فولتير الذي جادل بأنّ الكارثة التي حلّت في ليشبونة لا تتوافق مع هذه الحُجّة. كما رفض فولتير المزاعم بأنّ لشبونة قد لحق بها هذا الدمار كجزء من دينونة الله، متسائلًا وساخرًا عمّا إذا كانت لشبونة أكثر شرًّا من لندن أو باريس حتّى تستحق هذا العقاب. يبدو أنّ المنظور نفسه يُطرح اليوم، فهل لبنان مثلًا أو فلسطين -التي تمرّ فيها فيالق زلزاليّة- أقلّ شرًّا من تركيا وسوريا، فحماها الله من الزلزال؟
الإشكالية الأساسية في نظريّات العدل الإلهية خصوصًا في المنظور المسيحي أنّ الكتاب المقدّس يصف الله بأنّه أبٌ محبٌّ وقادرٌ على كل شيء. في الحقيقة، لا تتمسّك جميع الأديان بهذه النظرة الشخصانية إلى الله. يظهر الواقع أنّ الشرّ والمعاناة يحدثان؛ بالتأكيد سيمنع الله -كلّيّ القدرة (Omnipotent)- حدوث الأمور السيئة للأشخاص الذين يحبّهم؛ لذا، إمّا أنّ الله ليس محِبًّا بالكامل، أو أنّه ليس كلّيّ القدرة، أو إنّه ببساطة غير موجود. يؤدي الاستنتاج الأخير إلى نقاشاتٍ طويلة بين الإلحاد والإيمان، في حين يثير الاستنتاجان الأوّليّان إشكاليات محيّرة للمؤمنين. كيف يُمكن للهِ أن يسمح بأمورٍ مثل الكوارث؟
ضمن هذه الحُجج يكمن افتراض خفيّ؛ وهو أنّ الله المُحِبّ يمنع حدوث الأشياء السيئة لمَن يؤمنون به. ومع ذلك، في العالم الحقيقي نحن لا نعيش بهذه الطريقة؛ يسمح الآباء الذين يحبّون أطفالهم بأن يتّخذوا خيارَاتهم الشخصية، وبعضها ينطوي على مخاطرٍ وعواقبٍ سلبية في بعض الأحيان. الأبّ الذي يرفض القيام بذلك، غالبًا ما نسمّي سلوكه «حماية مفرطة». الرجل والمرأة المتزوِّجان اللَّذان لا يسمحان لبعضهما بعضًا بالاختلاط مع الآخرين، نصِف سلوكهما «بالاستبداد» أو «السيطرة». في إطار علاقة الحُبّ، لا يمارس المرء كل القوة المتاحة له لضمان أن يفعل الآخر «الفعل الصحيح». والنتيجة هي أنّ الأطفال يسقطون ويُؤذون أنفسهم، وفي بعض الأحيان يقعون في مشاكلٍ خطيرة. فكم من الناس يؤذون بعضهم بعضًا في علاقاتهم! لذا السؤال الحقيقي يكمن في تبرير ما إذا كان تمتّع المرء بهذه الحُريّة نعمة يستحقّها.
حُجّة الإرادة الحُرّة هي إحدى نظريّات العدالة الإلهية التي تجادل بأنّ الله كان له ما يبرّره في خلق عالمٍ يتمتّع فيه البشر بحريّةٍ أخلاقية حقيقية. من الفرضية اللّاهوتية الرئيسة -في المسيحية، والديانات الإبراهيمية الأخرى، ولكن ليس الديانات الشرقية- الله إله شخصيّ ويسعى إلى إقامة علاقة حُبٍّ مع البشر. لكي تُظهر العلاقات سِمات، مثل الثقة والحُبّ والرحمة وما إلى ذلك؛ يجب أن تتحقّق دون إكراه. فإذا كان الله يهتمّ فقط بالسلوك الجيّد الصائب وليس بعلاقة الأبوّة-البنوّة، فإنّه سيجبر الناس على الإيمان به؛ وعليه، فإنّ الحُبّ يتطلّب الحُريّة. يمكن برمجة الروبوت ليطيع صاحبه دائمًا، لكن العلاقة بين الاثنين لن تكون علاقةً شخصية. الحُريّة معرّضة للألم، وتاليًا يمكن للطفل أن يرفض والديه، أو يمكن أن يكون الزوج غير مخلص. هذه المخاطر ضرورية في عالمٍ توجد فيه الحُريّة والحُبّ والعلاقات الشخصية.
إذا تدخّل الله في كل مرّةٍ يمكن أن نتأذّى فيها، فإنّنا سنتجنّب الكثير من الألم والمعاناة، لكنّ إرادتنا الحُرّة ستكون مجرّد وهم. العالم كما نعرفه لن يكون موجودًا؛ ففي كل مرّة يحاول شخص ما ضرب أحدهم، تفشل ذراعه في العمل. إنّ كونًا بدون عواقب احتمالية ستكون فيه الأخلاق والمسؤولية الأخلاقية أمرًا مستحيلًا، أو على الأقل مختلفة تمامًا عمّا نفهمه اليوم. حتّى العِلم كما نعرفه سيكون مستحيلًا، لأنّ الله سيتدخّل باستمرارٍ في الطبيعة والناس لمنع حدوث المعاناة.
النتيجة ستكون كونًا تصبح فيه الأفعال الخاطئة مستحيلة، وتاليًا عالمًا تنعدم فيه الإرادة الحُرّة. فالأفكار الشريرة مستحيلة؛ لأنّ المادة الدماغية التي نستخدمها في التفكير سترفض مهمّتها عندما نحاول تأطيرها. من الواضح أنّ هذا ليس العالم الذي نعيش فيه؛ وعليه، فإنّ عالمنا يتوافق جيدًا مع وجود إله كلّيّ الحُبّ، وكلّيّ القدرة، ويقدّر علاقة الحُبّ لدرجة أنّه يسمح للإرادة الحُرّة بالوجود على الرغم من أنّ هذا السماح فيه مخاطرة أن يختبر البشر الألم والمعاناة.
تميل نظريّات العدالة الإلهية إلى التركيز إمّا على الشرّ الأخلاقي (المعاناة التي يسبّبها البشر)، أو على الشرّ الطبيعي (المعاناة التي تسبّبها الطبيعة، مثل الكوارث الطبيعية، أو العيوب الوراثية). قد تبدو حُجّة الإرادة الحُرّة لا صِلة لها بموضوعنا، أعني «الكوارث الطبيعية»؛ إذ إنّها تنطبق بوضوحٍ على أحداثٍ دقيقة، مثل التخريب الذي يؤدّي إلى كوارث مفتعلة، والجشع الذي يدفع الناس إلى طرقٍ ملتوية عند تشييد المباني حيث تنهار بسهولةٍ أكبر في أثناء الزلازل، والكراهية التي تؤدّي إلى العنف والصراع، أو حرب ينتج عنها مجاعة أو أزمات لاجئين.
ومع ذلك، لم يعد التمييز بين الكوارث الطبيعية، والكوارث التي يصنعها الإنسان تمييزًا قياسيًّا بعد التطوّر الهائل الذي قطعناه، ما يجعل الإرادة الحُرّة أكثر صِلة بالكوارث الطبيعية بشكلٍ عام. كان ردّ فعل الفيلسوف جان جاك روسو في القرن الثامن عشر -على الجدل حول دور الله في زلزال لشبونة العظيم، مدّعيًا أنّ القرارات البشرية هي المسؤولة عن عواقب الكارثة أكثر من الطبيعة أو الله- ردًا على فولتير، في قوله: «لكن لم تكن الطبيعة هي التي جمعت هناك عشرين ألف منزل من ستّة أو سبعة طوابق. لو كان سكان هذه المدينة الكبيرة مشتّتين بشكلٍ متساوٍ وأقلّ كثافة؛ لكانت الخسائر أقلّ، أو ربما لم تكن لتحدث خسائر على الإطلاق».
يشير روبرت وايت إلى أنّ الوفيات الناجمة عن الكوارث الطبيعية، يمكن أن تُعزى في مجملها تقريبًا إلى الإجراءات التي يتّخذها الأشخاص، التي حوّلت عملية طبيعية إلى كارثة. على سبيل المثال، يُلاحظ أنّ الكثيرين مِمّن لقوا حتفهم في تسونامي المحيط الهندي عام 2004، كانوا يعيشون في مناطق غير مناسبة للسكن بحسب التصنيف؛ لكن لم يكن لديهم مكان آخر للعيش. وفي زلزال فوكوشيما في اليابان عام 2011، كان معظم القتلى من بين أولئك الذين تجاهلوا التحذيرات بالفرار من كارثة تسونامي؛ لأنّهم افترضوا أنّ الجدران البحريّة ستحميهم. وقد خلص تقرير تمّ إعداده من قِبل وزارة النقل والتنمية في لويزيانا إلى أنّه لا ينبغي إلقاء اللوم على إعصار كاترينا في وفيات نيو أورلينز. هذه الكارثة لم يكن «الله»، أو «الطبيعة» مصدرها؛ بل نتجت عن خيارات البشر، وبسبب الكثير من العيوب في النظام.
حُجّة الإرادة الحُرّة قابلة للتطبيق في مثل هذه القرارات البشرية، لكن النقّاد ما زالوا يتساءلون عن سبب عدم تدخّل إله كلّيّ القدرة بالكوارث واسعة النطاق التي تسبّب دمارًا هائلًا بجانب العديد من الإصابات. يُطرح هنا «القانون الطبيعيّ» -كواحد من نظريّات العدالة الإلهية- الذي يستدعي وجود عالم منظّم يحكمه هذا القانون. في عالمٍ يتمّ فيه الحُكم على الخيارات على أنّها إمّا جيدة و إمّا سيئة، يلزم وجود قُدرة هائلة على التنبّؤ؛ إنّ امتلاك درجة عالية من اليقين في عواقب الخيارات أمرٌ ضروريّ لمحاسبة الناس أخلاقيًّا. فإذا كان الإنسان حُرًّا ومسؤولًا عن مصيره، فإنّه يحتاج إلى مجموعةٍ من الإجراءات المفتوحة أمامه التي يفهم عواقبها (الخير/الشرّ). ويمكنه فقط امتلاك هذا الفهم في عالمٍ قد خُلق على هذا النحو، أيّ في عالمٍ يستند إلى العديد من العمليات الطبيعية المنتجة لكل الثنائيات المتعارضة (الشرّ/الخير – الغنى/الفقر…)، وحتّى المنطق الثالث، أعني الدرجات المتفاوتة في الظواهر (الخير، الأقلّ خيرًا، الشرّ، الأقلّ شرًّا، وما بينها).
عندما تتحرّك صخرة على حافّة جبلٍ ما نعلم أنّها ستتدحرج إلى الأسفل وليس صعودًا. عندما نرى سقوط صخور بفعلٍ طبيعي، نعلم مباشرةً أنّ الصخور المتدحرجة خطيرة وستسبّب أضرارًا. نتعلّم من الطبيعة أنّ الصخور التي تتدحرج على الطُرق وتصطدم بالسيارات، من المحتمل أن تجرح أو تقتل الركاب، وتسبّب الحزن والأسى والخوف لدى سائقيّ السيارات والسكان. إذا أوقف الله الصخرة عن التدحرج لأنّ مسارها قد يؤدي إلى معاناة، أو إذا كان من الممكن أن تتحطّم الأشجار بدلًا من السيّارات لأنّ راكبيها سيتأذّون، فسوف نفقد الكثير من قدرتنا على التنبّؤ بالنتائج؛ وهذا من شأنه أن يقضي على المساءلة والاختيار الأخلاقي الحقيقي. لذا، فإنّ الله له ما يبرّره في السماح بعالمٍ تحدث فيه أحداث احتمالية نسمّيها نحن «كارثيّة»، حتّى وإن كانت مؤلمةً ومميتة.
يجادل نقّاد القانون الطبيعي بأنّ الله كان بإمكانه أن يصنع عالمًا لا يحدث فيه ألم جسديّ أو معاناة، على سبيل المثال «عالم سماويّ». يثير هذا الطرح تساؤلات عديدة حول سبب وجود العالم الماديّ، ولا يسعنا الحديث عنها في هذا المقال.
بالنّظر إلى أنّ العالم الماديّ موجود بالفعل وأنّنا وجدنا أنفسنا فيه، ثمّة نقد آخر هو أنّ العالم يمكن أن يكون له قوانين طبيعية مختلفة تؤدّي إلى معاناةٍ إنسانية أقلّ بكثير. ومع ذلك، فإنّ القوانين الطبيعية ليست معادلات رياضية مجرّدة، لكنّها أوصاف لكيفية تفاعل الأشياء الطبيعية في ظلّ ظروفٍ معيّنة. لذا لتغيير هذه القوانين ينبغي تغيير طبيعة تلك الأشياء. على سبيل المثال، يجب أن يصبح الماء شيئًا لا يمكن للناس أن يكونوا بسبب طبيعته ضحيّة للغرق؛ سيؤدّي هذا المنطق إلى تغيير العديد من الخصائص ذات الصِلة بالماء التي ستجعله يختلف عن المادة التي نعرفها اليوم «عنصر الحياة». ليس لدينا طريقة للتنبّؤ بما سيكون عليه «الماء غير المسبِّب للغرق»، وبالتأكيد لا توجد طريقة لقياس ما إذا كان سيؤدّي هذا التغيير الجوهريّ إلى عالمٍ أقلّ معاناة. في هذه الحالة، يقع عبء الإثبات على الناقد لتقديم نموذجٍ للكون بقوانينٍ طبيعية بديلة. وهنا، يبقى من المعقول الاعتقاد بأنّ الله كان له ما يبرّره في اختيار القوانين الطبيعية التي نعرفها الآن، على الرغم من احتمال حدوث ظواهر جيولوجية، مثل البراكين والزلازل والأعاصير والتسونامي.
إنّ الدمار الذي خلّفته مثل هذه الأحداث واضح ومأساوي، لكنّ القضاء عليها لن يكون مفيدًا بشكلٍ مباشر. مِن المفارقات أنّ العديد من العمليات التي تجعل من الممكن للبشر العيش على الأرض؛ هي نفسها التي تؤدّي إلى حدوث كوارث مدمِّرة: تؤثر الفيضانات سَلبًا على عددٍ كبيرٍ من الناس مقارنةً بكل الكوارث الأخرى مجتمعة، ومع ذلك فهي ضرورية لخصوبة التربة. لآلاف السنين، كان لفيضان نهر النيل الدور الأساس في التطور الزراعي الذي سمح لمصر بالازدهار. في عام 1783، أدّت أكبر الانفجارات البركانية في آيسلندا لمدة 1000 عام إلى انخفاض هطول الأمطار في إفريقيا. في الأعوام التي لم يفض فيها نهر النيل تلُفت المحاصيل؛ ما سبّب مجاعةً كبيرة مات بسببها نحو سُدس سكان مصر. وكلّنا ندرك أنّ الزلازل مدمِّرة لكنها تسمح للمعادن والمواد المغذية بالخروج من داخل الأرض، وتجعل الحياة ممكنة من خلال تعديل حرارة اليابسة. وبناءً على ما سبق، ليس لدينا أيّ فكرة عمّا إن كانت الحياة على الأرض ستكون ممكنة بدون الأحداث التي نسمّيها: «كوارث طبيعية».
ما يُمكن استنتاجه في مثل هذه التأمّلات اللاهوتية-الفلسفية هو أنّه يمكن تقديم مبرِّرات عقلانية تبرّر أسباب حدوث الكوارث. وسواءً أكانت هذه المبرِّرات أو النظريّات مقنعة أم لا، فهذه مسألة أخرى ترتكز غالبًا على ما إذا كان المرء على استعدادٍ للاعتقاد بأنّ الله جديرٌ بالثقة ومحِبّ، على الرغم من وجود الكوارث والمعاناة في الكون؛ هذا هو جوهر ما ينطوي عليه الإيمان: الاستعداد للمضيّ في الحياة على أساس الثقة، على الرغم من الشكّ والحيرة. كما هو الحال مع معظم مجالات الحياة، فإنّ الأدلة تأخذنا فقط إلى مرحلةٍ ما، وفي الإيمان كذلك، يجب اتّخاذ قرار الإيمان على أساس الثقة وليس اليقين.
الأسئلة كلّها مشروعة في عالمٍ كلّما اكتشفناه فهمناه أكثر، فيما ازداد غموضه في الوقت عينه. ومع ذلك، تتيح تجربة الألم والمعاناة من جرّاء الكوارث أو الأمراض تعلّم المزيد عن الكون. وبقدر ما يستفيد الإنسان من هذه التجرية، ويقترح الحلول المخفِّفة للنتائج -بدلًا من تركيز قدراته على اقتصادات الأسلحة والدمار الشامل- بقدر ما يَقي نفسه من الألم والمعاناة التي لن تزول مِن جوهر هذا العالم الماديّ.