يومُ التأسيسِ هو يوم ذاكرةٍ، ذاكرةُ أجدادٍ بنوا وطنًا آمنًا، ورسخوا قيم أصيلة تشكل هويتنا العربية، وإنجازات مصدر عز لنا. في ذكرى هذا اليوم، لنا أن نستدعي ونحتفي بتاريخ عريق يمتد جذوره في أعماق الأمة العربية، هذا التاريخ الزاخر بمكارم الأخلاق وشيم العرب الأصيلة، وشجاعة الموحد الملك عبدالعزيز آل سعود، الذي جمع تحت لوائه قبائل الجزيرة المتفرقة، بشهامة ونخوة تليق بهذا الرجل العظيم. وعبرالأجيال وإلى اليوم، لا تزال هذه الصفات حية في وجدان كل مواطن سعودي، يلمسها كل من يزور المملكة العربية السعودية، فيستقبله طيب الشعب وكرمه وشهامته. إنها صفاتٌ مميزةٌ تجعلنا فخورين بنشأتنا، ومعتزين بهويتنا.
الموروث الأصيل
يشير الموروث الثقافي إلى الممارسات والمعتقدات والموروثات التي تنقل من جيل إلى آخر داخل ثقافة معينة. ويمكن أن يكون الموروث الثقافي ماديًا مثل الأشياء الفنية أو القطع الأثرية، أو غير مادي مثل القصص الشفوية والعادات والتقاليد ومنظومة القيم المتوارثة. وللموروث الثقافي دور مهم في المجتمع لأنه يربط أفراده بتاريخهم وثقافتهم، ويخلق لهم هوية مميزة بمقدورنا أن نطلق عليها «الهوية الجمعية»، وهي التي تصبح بمرور الوقت، إذا حَسُنَ رعايتها، مصدرًا للفخر والقوة، وتساعد أفراد المجتمع على فهم أنفسهم ومكانهم في العالم.
وقد فرضت طبيعة الجزيرة العربية على العرب الاعتماد على ترابطهم لضمان البقاء، فالصحراء القاحلة والمسافات الشاسعة كانت تتطلب تعاونًا وتكاتفًا لمواجهة التحديات. فكان الكرم والشهامة والمروءة نهجًا للحياة، يقدم العربي ماله ووقته وروحه لنصرة أخيه، ومساعدة المحتاج، وإكرام الضيف.
وجاء الإسلام ليعزز هذه الصفات، ويجعلها من أهم مبادئ الدين الحنيف، فحث على التراحم والتكافل، وحرم الظلم والعدوان، وجعل من الكرم والإحسان طريقًا إلى الجنة. ونرى في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم خير مثالٍ على سمو الأخلاق، فقد كان مثالًا للصدق والأمانة، وعنوانًا للكرم والشهامة، ونموذجًا للعدل والرحمة، «إنما بعثتُ لأُتِمم مكارمَ الأخلاقِ». فمن مواقفه الكريمة، عفوُه عن أهل مكة بعد فتحها، وإكرامه للفقراء والمحتاجين، ونصرته للمظلومين. وهكذا، كان الإسلام بمثابة شعلة أضاءت دروب هذه البقعة، وصقلت أخلاق أهلها، وجعلت منهم خير أمة أخرجت للناس.
تجسيد لقيم العروبة
وليس بالغريب أن تظل هذه الصفات العربية الأصيلة حيةً في وجدان كل مواطن سعودي، يلمسها كل من يزور بلدنا الحبيب، فيستقبله طيب الشعب وكرمه وشهامته. وتتردد قصصٌ كثيرةٌ تُظهر رفض بعض البائعين تقاضي المال من السياح، وإصرار الشباب السعودي على إكرام السياح، وتقديم الطعام والمأوى بلا مقابل. تُجسد هذه المواقف قيم العروبة الأصيلة، وتُظهر للعالم أجمع أنّ السعودية ليست مجرد بلد غني بالثروات، بل هي بلدٌ غنيٌّ أيضًا بقيمهِ وأخلاقه.
إنّ هذه الصفات العربية الأصيلة التي تميزنا، هي صفاتٌ نادرةٌ في عالم اليوم، حيثُ غلبت بشكل عام القيم المادية على المجتمعات في ظل ثقافية عالمية تدفع بفكرة الفردية إلى حدها الأقصى. ولا عجب أن هذه الصفات التي تميزنا وسط هذا العالم المادي جعلت من بلدنا وجهةً سياحيةً مميزةً، يزورها الناس من جميع أنحاء العالم، ليكتشفوا طيبة الشعب وكرمه. وقد ساهمت هذه السمعة الطيبة في تعزيز صورة المملكة العربية السعودية على المستوى العالمي، وأظهرتها للعالم أجمع أنّ مكارم الأخلاق ليست قيمًا مضافة عليها، بل جزءًا من هوية شعبها الأصيلة.
التأصيل المؤسسي
منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1727حرصت القيادة على تعزيز هذه القيم وجعلها مبادئ أساسية للحكم، فكان الملك عبد العزيز آل سعود، رحمه الله، خير مثال على القائد العربي الكريم والشهم، الذي اتخذ من هذه الصفات نهجًا في حكمه. وعلى مرّ التاريخ، واصلت المملكة العربية السعودية مسيرتها نحو ترسيخ هذه القيم، من خلال جهود قادةٍ حكماءٍ، واليوم في ظلّ قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، نجد معالم هذه القيم بشكل أكبر من خلال توجيهاته وسياسته الحكيمة التي ارتكزت على تعزيز قيم الأبوة والعطاء والرعاية للمواطنين والمقيمين على حد سواء.
2030 وبناء الإنسان
وبينما تعتبر رؤية 2030، تحت قيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، خارطة طريق تطويرية تهدف إلى تحقيق تحول شامل في مجالات الاقتصاد والتنمية، فإن مكامن القوة الحقيقية لتلك الرؤية تكمن في أنها مؤسسة على أرضية إنسانية صلبة ومتوارثة عبر تاريخنا، تأخذ منها وتبني عليها. ومنذ توليه منصبه حرص ولي العهد على تعزيز هذا البناء الإنساني من خلال العديد من المبادرات والبرامج، مثل برنامج «التطوع الوطني» وبرنامج «منتدى الرياض الدولي الإنساني» وتوسيع قاعدة الأعمال غير الربحية. وتهدف هذه البرامج مجتمعة إلى بناء مجتمعٍ قويٍّ مُتحدٍّ، بإمكانه الموازنة بين تحقيق التقدم والاستثمار في بناء الإنسان. وبالإضافة إلى ذلك، ارتكزت رؤيته على تعزيز القيم والهوية الوطنية والعربية، ودعم المجتمع المدني والمشاركة الاجتماعية، ودعم الثقافة والتراث، وتطوير الريادة والابتكار كجزء أساسي في بناء الشخصية السعودية الجديدة التي تعد بمستقبل واعد ومزدهر نلمس آثاره يومًا بعد يوم.
لهذا وفي الوقت الذي ظن البعض فيه أن تحقيق الرؤية لأهدافها، خلال المدة المحددة لها، هو من الأمور شبه المستحيلة، نجد أن معالم هذه الرؤية وآثارها تحدث على أرض الواقع وبتقدم مزدهر، وما ذلك إلا نتاج علاقة وثيقة مبنية على الثقة المتبادلة بين الشعب والقيادة، فالشعب يثق في قيادته ورؤيتها، والقيادة تثق في شعبها وتؤمن بقدراته. وهذه الثقة هي التي تُشكل أساس الوحدة الوطنية، وتُعزز روح التعاون والتكاتف بين أفراد مجتمعنا.
ختامًا، وفي ذكرى يوم التأسيس، نستذكر الإنجازات العظيمة التي حققها أجدادنا، ونُعاهد أنفسنا على مواصلة مسيرة البناء والنهضة مؤمنين بإنّ تمسكنا بقيمنا العربية الأصيلة هو سرّ قوتنا ووحدتنا ومستقبلنا الواعد. نجدد ثقتنا في قيادتنا الرشيدة، ويقيننا برؤيتها الثاقبة، وسعيها الدؤوب لتحقيق رفاهية الوطن والمواطن. معًا، سنبني وطنًا قويًا مزدهرًا، ونجعل من حلمنا واقعًا مشرقًا للأجيال القادمة.