إشكاليات النحو العربيّ الأوليّة | علي الشدوي

تستغرق 9 دقائق للقراءة
إشكاليات النحو العربيّ الأوليّة | علي الشدوي

1

أَعني بـ«الإشكاليات النحويّة» -(المفرد إشكالية)- التأمّل في قضية مطروحة تتعلّق بالنحو، وفي وسائل تصوّرها على الوجه الذي يجعل من الممكن حلّها (عن الإشكالية، انظر العروي، 1992، ص 84). مثلاً من درّس اللغة العربية في مدارس التعليم العام يعرِف أنّ النحو «عُقدة» ليس عند الطلاب فحسب، بل أيضًا عند معلميّ التخصّصات الأخرى، ولقد سمعتُ مِن هؤلاء مرارًا وتكرارًا أنّهم لا يعرِفون شيئًا من النحو، وأنّهم كرِهوا اللغة العربية بسببه، وذات مرّة استغرب أحد المعلمين أن يكون للجملة العربية إعراب، ثمّ ينتهي ذلك الإعراب بأنّ الجملة التي أعرَبَها لا محلَّ لها من الإعراب.

غير أنّ هذه المشكلات -فيما أرى- لا علاقة لها بالنحو بل بتعليم النحو؛ لذا فالسؤال: ما النحو؟ لا يساوي أبدًا سؤال: كيف نعلِّم النحو؟ وفي السياق ذاته اللغة العربية ليست ما قاله النحويّون عنها، وحين يقول أحد النحويين إنّ مهمة النحو كعِلم هو أن يعلِّم اللغة العربية، فإنّه يستخدم كلمة (العِلم) في السياق الخطأ؛ ولو دقّق لفَهِم أنّ عامة العرب الذين لا يعرِفون من النحو العربيّ شيئًا، يتحدّثون اللغة العربية بيسرٍ وسهولة؛ الأمر الذي يشير إلى أن لا علاقة بين النحو وبين تحدّثها.

لكن هناك ما يبرّر موقف مستصعبيّ النحو؛ فالكتب النحويّة تكاد تكون عصيّة على الفهم، وحين يقرؤها القارئ لا يشعر بأنّه يتعلّم شيئًا جديدًا عن لغته التي يتحدّثها، ومن ثمّ فهو لا يشعر بالمتعة، لكن هذا ليس غريبًا، فالنحو حتى عند المتخصِّصين فيه يحتاج إلى جهدٍ لكي يألفونه. هذه الأُلفة في غاية الأهمية؛ لأنّها أُلفة مع لغة النحو وليس مع لغة المتكلّم. وهناك من القدماء من مثّلَ على صعوبة «الكلام على الكلام» بالنحو. ففي الليلة الخامسة والعشرين من كتاب «الإمتاع والمؤانسة»، طلب الوزير البويهيّ من أبي حيّان التوحيدي أن يحدّثه عن مراتب النّظم والنثر فأجابه بصعوبة الكلام على الكلام؛ لأنّ الكلام عن الكلام يدور على نفسه، ولهذا شقَّ وصَعُب النحو (التوحيدي، د.ت، ج2، ص 131). وتلافيًا لسوء الفهم فنحن لا نعني أنّ أبا حيّان يَعي الفرق بين العِلم وموضوعه، كما يَعي مفكِّر معاصر، إنّما نعني الإحساس الذي يسبق تبلور المفاهيم.

يُورد أبو حيّان التوحيدي في الكتاب ذاته الحكاية التالية: «وقفَ أعرابيّ على مجلس الأخفش، فسمع كلام أهله في النحو، وما يدخل معه. فحارَ وعجُب، وأطرق ووسوس، فقال له الأخفش: ما تسمع يا أخا العرب؟ قال: أراكم تتكلّمون بكلامنا بما ليس في كلامنا» (نفسه، ص 139).

يستخدم محمد عابد الجابري كلام هذا الأعرابيّ لينقد النحو العربي؛ إذ لديه قوالب عمّمها النُحاة، وفرضوها قواعد وقوانين، وهذا «أبقى على اللغة العربية كلغة مصطنعة بصورة مضاعفة (وضع الأعراب والرواة من جهة، وصناعة اللغويين والنُحاة من جهة أخرى)، لغة تنقل معها عالم الأعرابيّ البدويّ الفقير، في قوالب جامدة ذات نغمة موسيقية. فليس غريبًا إذا لاحظ المرء أنّ النغمة الموسيقية في اللغة العربية تعوّض، أو تغطّي فقر المعنى، وتجعل الكلام الذي يجرّ معه فائضًا من الألفاظ ذا معنى حتى وإن لم يكن له معنى. إنّ الأذن هنا تنوب عن العقل في الرفض والقبول. ومعروف في اللغة العربية أنّ الأذن هي التي “تستسيغ”، وليس العقل» ( 2009، ص 91).

يحَار المرء أمام فهم مفكِّر كبير كالجابري؛ فعبارة الأعرابيّ صحيحة؛ هناك فرق بين اللغة، وبين الحديث عن اللغة. وأبو حيّان نفسه قبل أن يُورد حكاية الأعرابيّ اعترف بأنّ الكلام عن الكلام صعب؛ لأنّ الكلام عن الكلام يدور على نفسه؛ ويفسِّر بهذا صعوبة النحو (ج2، ص 131). الفرق بين الكلام، وبين الكلام عن الكلام هو الفرق بين الأعرابيّ وبين النحويّ. فالأعرابيّ يتكلّم لكن النحويّ يتكلّم عن كلام الأعرابيّ. وحين يصف الأعرابيّ كلام النحويين بذلك الوصف فهو يمكّننا من القول بأنّ فكرة الفرق بين النحو كعِلم، وبين اللغة كموضوع لهذا العِلم موجودة قبل أن تتضح في الفِكر الحديث، لكنها موجودة في الفِكر اللغويّ العربيّ كملاحظة من دون أن تأخذ أيّ بُعد يمكن تأريخه على أنّه تصوّر لطبيعة العِلم.

هذا الإحساس بالفرق بين العِلم وموضوعه جعل أعرابيًا آخر يصف النحو بالعجْمة (نفسه، ص 193)، ولغويًّا يقول: «نحو العرب فطرة، ونحونا فطنة» (نفسه، ص 193)، وإذا ما فهمنا فطرة العربيّ على أنّها «معرفة القدرة»، أيّ المعرفة التي تُمارس بها اللغة العربية (يعرف العربيّ كيف يتكلّم)، وفطنة النحويّ على أنّها «معرفة افتراضية»، أيّ معرفة مجموعة من الافتراضات المتعلّقة بممارسة اللغة (عن الفرق بين المعرفتين، انظر بريتشارد، 2013، ص 18). أقول إذا فهمنا الفرق بينهما فإنّ النحو سيختلف عن اللغة، والمعنى هو اختلاف المعرفة الافتراضية عن معرفة القدرة؛ إذ تحتاج الأولى إلى قدرة فكريّة أعلى، مقارنة مع الثانية.

لقد عبّر هيجل بأنّ كلّ شيء يزيد بكثيرٍ عن حالته الفعلية، فالفِكر مثلاً أكثر من موضوعاته، وهو لا ينظر إلى الأشياء كما هي، بل ينظر من خلال إمكانياتها الكامنة، والتفكير من خلال أنّ ما هي عليه بالفعل تشويه وتزييف؛ لأنّ الواقع يختلف عن التفكير في الواقع، ولغة الفِكر زائدة عن لغة الواقع. وعلى هذه الخلفية نجد حلقة الاتصال بين فِكر النحو النظريّ وبين اللغة، حين يكسر النحو سيطرة الواقع على الفِكر، ويتحدّث عن اللغة بلغة ليست هي لغة الناطقين باللغة.

من جهة أخرى لا يمكننا أن نغفل ما توحي به عبارة الأعرابيّ من تهكّم، وهو تهكّم يتجاهل أنّ النحو شأنه شأن أيّ عِلم آخر يحتاج إلى كلمات خاصة (مصطلحات)؛ إذ كيف يمكن لاكتشافاته الخاصة بنظام اللغة أن تُصاغ من دون هذه الكلمات الجديدة؟ فالنحو يكون مجالاً للبحث من خلال تناقضه مع مجال بحثه؛ أعني اللغة، وليس من خلال تشابهه معه. فاللغة اليومية ليس في حوزتها الكلمات المناسبة للدلالة على مجال اشتغاله، ولا بد من البحث عن كلمات غير موجودة أصلاً في استخدام اللغة اليوميّ. فكلمة (فعل)، في اللغة اليومية عمل الشيء وصنعه، أمّا في النحو فقد تحوّلت إلى المصطلح المعروف.

وضع سيبويه أغلب مصطلحات النحو، وقد اغتنت وتوسّعت بالتلازم مع فِكره النحويّ، وإذا كان سيبويه قد أظهر قُدرة على ابتكار المصطلحات إلاّ أنّه كان قليل الاهتمام لكي يصل بها إلى مستوى الإتقان (مثلاً المصطلحات الطويلة). لستُ متأكدًا من دراسة هذا الجانب عند سيبويه، وهو التنظيم المفاهيمي للنحو؛ فمصطلحات سيبويه لم تُولد فحسب، بل يمكن أن يلقى بعضها حتفه، فتخرج من التداول بين الدارسين، لتفسح الطريق لغيرها من المصطلحات التي تستجيب للتوجهات الجديدة في البحث النحويّ، ومع ذلك -وكما أظن- أنّ القسم الأكبر من مصطلحات سيبويه مازالت صامدة حتى الآن.

هناك معاجم كثيرة للمصطلحات النحويّة، وقد تصفّحتُ بعضها، وفيما تصفّحته أرى أنّ الاكتفاء بشرح المصطلح من دون النصوص يفقدها كثيرًا من الأهمية. فهي مثلاً تتحدّث عمّا يعنيه سيبويه بالمصطلح، لكنّها لا تُورد نصّ سيبويه. فضلاً عن ذلك هناك فقر في تتبع تاريخ المصطلح إلى أن استقرّ بتتبع النصوص، والتفكير فيها، ومقارنتها مع نصوص أخرى. لا أعرف ما إذا هناك معاجم مصطلحات نحويّة من هذا النوع، ومع ذلك فإنّني أعرف أنّها تستحق أن تُوجد لا سيّما في ضوء ثلاثة أبعادٍ، هي: البُعد التاريخيّ (مراحل تطور المصطلح)، والبُعد البنيويّ (علاقته بمفاهيم أخرى)، والبُعد الإشكاليّ (تحوّلات المفهوم).

 

 2

بعد أن حقّق شوقي ضيف ونشر كتاب ابن مضاء «الرد على النُحاة»؛ نشأت حركة بدأها شوقي ضيف نفسه لمهاجمة النحو، إذ رأى رأيّ ابن مضاء في حذف نظرية العامل، وبعض العِلل النحويّة، والقياس النحويّ[1]. نشأت هذه الحركة النحويّة تحت عنوانٍ واحد، لكن بصياغات مختلفة كـ: تجديد النحو، وتيسير النحو .. إلخ؛ وبذلك عُدنا من جديد إلى شعور الأعرابيّ الذي  تحدّثنا عنه أعلاه.

تدفعنا الاحتياطات النقديّة اللازمة تجاه حكاية هذا الأعرابيّ -واقعية أو خيالية- إلى أن نفهم العبارة التي قالها وليس إلى فِهم الأعرابيّ؛ فهي تظهر الوعي بالفرق بين وصف اللغة، وبين اللغة الموصوفة، وهذا الوعي بالفرق ضعيف عند الذين طالبوا بتجديد النحو؛ من أجل إصلاح اللغة، لاسيّما إلغاء نظرية العامل. لكن ما عيب النحو لكي يُطالب هؤلاء بتيسيره أو تجديده؟

يكمن عيبه فيما أرى في مفهوم النحو، وليس في تفكير النحو النظريّ، كما تمثّله نظرية العامل. فقد مرّت أوقات -وما زالت- بدأ فيها تحوّل البحث النحويّ إلى إصلاح اللسان العربيّ. خذ مثلاً كتابًا مهمًا ومؤثِرًا في تاريخ النحو العربيّ ككتاب «الخصائص» لابن جنّي، فبالرغم من أنّه كشف كثيرًا من خصائص اللغة العربية إلّا أنّه لم يقل شيئًا عن الجانب النظريّ من النحو، بالرغم من أنّ القضايا التي ناقشها بكفاءةٍ عِلميةٍ تعتمد على تفكير النحو النظريّ لكنه تفكير غير واضح. مثلاً عقدَ في بداية الكتاب بابًا عن الفرق بين الكلام والقول (مج1، ص 5)، بعد ذلك بقليلٍ عقدَ ثلاثة أبواب لثلاثة مفاهيم، هي: اللغة، والنحو، والإعراب (نفسه ص 33- 35)، وهذا وعيّ متقدّم بالفرق بين هذه المفاهيم مقارنةً بمرحلته التاريخية، ومع ذلك فهو  يتصوّر أنّ النحو كتفكير نظريّ يهدف إلى أن يلْحق «مَن ليس مِن أهل العربية بأهلِها في الفصاحة؛ فينطق بها وإن لم يكن منهم» (نفسه، ص 34).

يُغري كتاب الخصائص بالحديث عن ألغاز النحو الصعبة. يظهر هذا من غرض ابن جنّي من تأليف لكتابه، يقول: «تقرير الأصول، وإحكام معاقدها، والتنبيه على شرف هذه اللغة، وسداد مصادرها ومواردها، وبه (فصل: العِلل كلامية هي أم فقهية)، وبأمثاله تخرج أضغانها، وتبعج أحضانها» ( نفسه، ص 77). وهذا الغرض مُغرٍ ومشوِّق وممتِع أيضًا، فالباب الذي عقده في تخصيص العِلل (نفسه، ص 144 وما بعدها) باب ممتِع في ألغاز اللغة، ومثله أبواب أخرى، لكن الخلط بين هذا النشاط التفسيريّ، وبين التنظير النحويّ، يُفقد التنظير النحويّ أهميته.

ما أردنا قوله هو: توجد أسباب حقيقية للموقف السلبي من النحو. ومع ذلك هناك ما يجعلنا نتمسّك بالنحو؛ لأنّه مفيد متى ما ألفنا لغته. أركز على الأُلفة لسبب مهم[2]؛ وهو أنّ لغة سيبويه أو ابن جنّي مثلاً غير مألوفة، ويتطلّب الأمر من القارئ زمنًا ليألفها، لذا لا بد أن يبذل المرء الجهد اللازم لكي يألف لغة النحو. وهذا الأمر ليس غريبًا على لغة التراث في مجالاتها المختلفة، كالأُلفة مثلاً مع لغة الفارابي، أو لغة المعرّي، أو الأُلفة مع لغة ابن حزم في «المِلَل والنِّحل»، والأُلفة مع لغته في مستوى آخر، أَعني اللغة التي كتب بها كتابه «طوق الحمامة».

 

 3

يروي الجاحظ في كتاب «الحيوان»، أنّه قال للأخفش: «أنتَ أعلم الناس بالنحو، فلمَ لا تجعل كتبك مفهومة كلّها، وما بالنا نفهم بعضها ولا نفهم أكثرها، وما بالك تقدّم بعض العويص، وتؤخِر بعض المفهوم؟ فأجاب: أنا رجل لم أضع كتبي لله، وليست هي من كتب الدين، ولو وضعتها هذا الوضع الذي تدعوني إليه؛ قلّت حاجاتهم إليَّ فيها، وإنما كانت غايتي المنالة؛ فأنا أضع بعضها هذا الوضع المفهوم، لتدعوهم حلاوة ما فهموا إلى التماس فِهم ما لم يفهموا، وإنما قد كسبت في هذا التدبير، إذ كنت إلى التكسّب ذهبت» (الجاحظ، د . ت، ج1، ص 91-92).

يستدعي الداعون إلى تيسير النحو أو تجديده هذا الحوار بين الجاحظ وبين الأخفش في سياق صعوبة النحو وغموضه. لكن المدقّق يلمح هنا أحد ملامح النحو الأساسية وهو أنّ النحو تجربة استكشاف إنسانية؛ أيّ أنه عِلم دنيويّ، وأنّ كتبه كتب دنيويّة. وما يترتب على هذا الملمح في غاية الأهمية وهو أنّ ما يعرفه علماء النحو عن النحو ليس معرفة نهائية، وأنّها يمكن أن تتغير، وأنّ هذه المعرفة ليست أكثر من تفسير لنظام اللغة العربية. والاعتراف بهذا يعني مثلاً أنّ ما قُبل يومًا من سيبويه مازال مؤقتًا وليس نهائيًا، ويمكن أن يتغيّر في ضوء معطيات جديدة. لقد كان الخليل بن أحمد واعيًا بهذا حين رأى أنّ اعتلاله لغة العرب هو اعتلال مؤقت؛ لذا قال: «فإن صحّ لغيري عِلّة لِمَا علّلته مِن النحو هي أليق بالمعلول فليأتِ بها» (الزجاجي، ص 59).

في التحليل النهائي لهذه الفكرة في نحو الخليل أو سيبويه كمعرفة نتجت عن تفكيرهما بما في عقليهما من خبرات وآراء وتحيزات وميول واتجاهات وأفكار، وكلّ هذه الجوانب بمثابة مرجعية لِمَا تصورا أنّه حقيقة النظام اللغويّ للغة العربية، ومن ثمّ فنحو الخليل وسيبويه، ونحو الآخرين هو الناتج النهائي لمعتقداتهم وتصوراتهم، وليس النحو المطلَق، إنما نظرتهم التقريبية.

يشير حوار الجاحظ والأخفش إلى ممارسة النحو الاجتماعية؛ فالنحو كما يبدو في عبارة الأخفش عِلم ذو امتياز حين ينفق الناس المال ليتعلّموه، أو يبتاعوا كتبه. فحين يتعلَّم الفرد النحو، فإنّ تعلّمه يتيح له في تصوّر المجتمع العام أن يمتلك سُلطة القول بمعرفة مستوى من اللغة العربية، هو مستوى النُّخبة. هناك من يتحدّث بهذا المستوى، وهناك من لا يستطيع أن يتحدّث به. من يعرف كيف يتحدّث، ومن لا يعرف، والأفضل دائمًا لمَن يعرف النحو ممّا ينتج عنه الترقيّ في السُّلم الاجتماعي؛ ذلك أنّ باب الطبقة العُليا مغلق دائمًا في وجه مَن لا يعرف النحو، لكنه مفتوح أمام مَن يعرفه معلّمًا لأبنائها لكي تضمن احتكار القول، أو كاتبًا لمراسلاتها، أو مستشارًا لغويًا لكبرائها.

 

 4

أورد عبد السلام محمد هارون محقّق «الكتاب» لسيبويه قولين، أحدهما للأخفش، يقول: «كان سيبويه إذا وضع شيئًا من كتابه عرضه عليَّ، وهو يرى أنّي أعلم به منه، وكان أعلم به منّي، وأنا اليوم أعلم منه» (ص20)، والثاني لأبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري، يقول: «كان سيبويه يأتي مجلسي -وله ذؤابتان- فإذا سمعته يقول: حدّثني من أثق بعربيّته، فإنّما يريدني» (نفسه، ص 20).

كان الأخفش أكبر سِنًا من سيبويه، وكان سيبويه أستاذًا له بالرغم من صِغر سِنّه، ويمكن أن نفهم هذا في ضوء ما يسمّيه ميرتون: «إعطاء الروح العِلمية رؤية مهنية» (انظر أريكسون، 2014، ص 204)؛ فامتهان النحو كعِلم يجب أن يكون مفتوحًا للمواهب، وبعيدًا عن التحيّز أو التعصب؛ وبهذا يمكن أن يساهم في المعرفة النحوية كثير مِن الأفراد مِمَن ينتمون إلى أعراق مختلفة. هذه الفكرة لها علاقة بفكرة تحدّثنا عنها أعلاه، وهي أنّ النحو عِلم دنيويّ نتج عن الخبرة البشرية.

لكن لماذا يعرض سيبويه ما كتبه على الأخفش أولاً بأول؟ لهذا الأمر فيما نرى علاقة بالجماعة العِلمية لا بمعنى النموذج المتكتِّل الذي وصفه توماس كون، ولا بمعنى قيم العِلم المتجسدة فيها، إنما بالمعنى الذي يعبّر عنه السِّيرافي بكلمة «أصحاب». فيذكر أنّ أصحاب الخليل مثلاً هُم: سيبويه، والنضر بن شميل، ومؤرج العجلي، وعلي بن نصر الجهضمي. وأصحاب سيبويه: الأخفش، وقطرب (السيرافي، 1985، ص 64-47). ما أعنيه إذن هو أسلوب تفكير معين، أيّ أنّ مجموعة من النحويين يستخدمون أسلوبًا واحدًا من التفكير، وهذا الأسلوب لا يوجد بشكل موضوعيّ، إنما أوجدته هذه الجماعة التي يتبادل أعضاؤها المعلومات باعتبارها هدايا متبادلة.

نستخدم كلمة (هدايا) بالمعنى القريب من كلمة (الهِبة)، كما وصفها مارسيل موس في دراسته المهمة عن شكل التبادل وعلّته في المجتمعات القديمة (2011، ص 31-37)، وتحليله فيها لنظام الهدايا الملزمة التي أثّرت فيما بعد في تحليل الجماعة العِلمية. نحن نستبعد من كلمة (الهدية)، -كما نصف به العلاقة بين سيبويه وأصحابه- «فكرة الإلزام»، ونُبقي فيها فكرة: «الرغبة في الاعتراف»، كما في القول: «كما تراني يا جميل؛ أراك»، وهو القول الذي شرح به دوبوا في كتابه «مدخل إلى عِلم اجتماع العلوم» (ص 63) مفهوم (البوتلاش) الذي درسه بوس باعتباره هبة وهبة مضادة. فضلاً عن ذلك فإنّ ما فعله سيبويه يمثّل في رأينا استكشافًا لالتزامه بأسلوب تفكير المجموعة.

في مقابل هذه المجموعة التي تفتح المجال للمواهب هناك من يتخذ وِجهة نظرٍ متحيّزة ضدها. والمثال النموذجيّ لهذه النظرة المتزمتة وغير العِلمية هو أبو عبيدة. فقد روى المازني أنّه كان في مجلس أبي عبيدة معمّر بن مثنى، وقد سأله الرياشي عن أبيات في كتاب سيبويه، فأجابه. ثمّ تنبّه إلى أنّها من شواهد سيبويه، فقال: «أتسألني عن أبيات في كتاب الخوزي؟ لا أُجيبك» (ص19-20). والمعنى كتاب الفارسي، فالخوزي نسبة إلى الأخواز (الأهواز)، حيث وُلد سيبويه.

بالرغم عن أبي عبيدة حظيَ كتاب سيبويه بتقدير مجموعة النحو العِلمية، وحازَ على رضاها؛ فوصفه أبو الطيب اللغويّ: «بقرآنِ النحو»، وقال المازني: «إنّ على من أراد تأليف كتاب في النحو بعد كتاب سيبويه أن يستحي»، وقال السِّيرافي: «إنّه كتاب لم يسبق لأحد أن ألَّفَ مثله، ولم يلحق به أحد مِن بعده». وهذا الاعتراف من مجموعة النحو العِلمية يمثّل قبولاً ودعمًا مؤثرًا؛ فما إن خرج الكتاب إلى الناس مدعومًا برأيّ هؤلاء وغيرهم حتى اندمج النحو في المؤسسة التعليمية، وفي إعداد النحويين، وتحول إلى ممارسات اجتماعية، كأن يُهدى باعتباره هدية ثمينة، فقد أراد الجاحظ أن يُهدي محمد بن عبد الملك الوزير العباسيّ، ففكّر فلم يجد أشرف من «الكتاب» ليهديه إلى الوزير.

على الأقلّ فيما تنقله الأخبار فإنّ سيبويه لم يكن أعلم من الفراهيدي، ولا يملك ثقافة أبي عبيدة الموسوعية، وحتمًا لم يكن أبلغ ولا أفصح من الخليل لعجمة، وقيل لحبسة في لسانه. لكن المهم ليس كميّة المعارف، إنما المهم خلق الأفكار الجديدة، ولقد كان كتاب سيبويه أول محاولة مكتوبة لتفسير نظام اللغة العربية، وهو الكتاب الثاني بعد القرآن الذي يكتشف فيه المجتمع العربيّ لغته وسُلطتها وجمالها، وإتقان بنائها، فضلاً عن أنّه حدد اتجاه النحو وطابعه المستقبليّ.

لقد تحوّل الكتاب عند النحويين إلى سُلطة معرفية ليس في النحو فحسب، إنما أيضًا في علم آخر هو الفقه، فقد قال الجرمي: «أنا مُذ ثلاثون أَفتي الناس مِن كتاب سيبويه»، والمعنى كما يشرحه محمد بن يزيد أن الجرمي يتعلّم من الكتاب «النظر والتفتيش» (سيبويه، ص5)، وهو معنى يمكن أن نعبّر عنه بأسلوب التفكير. أبعد من هذا تحوّل كتاب سيبويه إلى تعليمات يمكن أن نصفها بالخُلقية؛ لأنّ دورها هو مراقبة كلام الناس، رقابة (قُل ولا تقُل)، الرقابة التي تبيح وتمنع.

لذا من الطبيعي أن تنشأ عنه تصوّرات اجتماعية كنوع من الممارسة اللعبيّة، كما سنوضح أدناه. نكتفي هنا بالحكاية التي أوردها هارون في مقدمة التحقيق، عن الرجل الذي قرأ الكتاب على المازني، ولمّا أتمّ القراءة، قال: «أمّا أنت فجزاك الله خيرًا، وأمّا أنا فما فهمت منه حرفًا». أو حكاية الرجل الذي سأل بائع سمك في سوق البصرة: «بكم هذه السمكة؟ أجاب البائع: بدرهمان، فضحك الرجل، فاستغرب البائع من ضحك الرجال، ثمّ قال له: ويلك، أنت أحمق! سمعت سيبويه يقول: ثمنها درهمان».

إنّ من المفيد لتاريخ النحو العربيّ تحليل مثل هذه الحكايات، لا من حيث أنّها قد حدثت بالفعل، إنما من حيث هي إشارة إلى تصورات ضمنية في أذهان العامة عن كتاب سيبويه، وهذه التصوّرات والمعتقدات جزء من تصوّرات عامة الناس، ومعتقداتهم تجاه النحو.

 

5

يسأل أبو الحسين أحمد بن فارس في كتابه «الصاحبي»: «هل يجوز أن يُحاط باللغة العربية؟». ثمّ يُورد قول بعض الفقهاء: «كلامُ العرب لا يُحيط به إلاّ نبيّ»، ويعلّق قائلاً: «وهذا حريّ أن يكون صحيحًا. وما بلغنا أنّ أحدًا مِمَن مضى ادّعى حفظ اللغة كلّها» (1977، ص 26).

يهمش السيد أحمد صقر محقّق الكتاب أنّ هذا الفقيه هو الشافعي. وعبارة الشافعي الكاملة تستحق أن نوردها كاملة كما أوردها المحقّق، يقول الشافعي: «ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبًا، وأكثرها ألفاظًا، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبيّ، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها؛ حتى لا يكون موجودًا فيها من يعرفه. والعِلم به عند العرب كالعِلم بالسنة عند أهل الفقه: لا نعلم رجلاً جمع السُّنن فلم يذهب منها عليه شيء» (نفسه، هامش 2، ص 26).

أوّل ما يلفِت النظر هو أنّ أحمد بن فارس، والشافعي ينظران إلى المعرفة اللغوية بوصفها مجموع اللغة؛ أيّ أنّ معرفة اللغة العربية هي مجموع ما يعرفه الفرد من اللغة العربية؛ ولأنّ لا أحد يعرفها بالمعنى التجميعيّ فإنّ معرفتها معرفة جزئية. يفهم هذا المعنى من مثال الشافعي، فهو لا يعرف أحدًا يعرف جميع الأحاديث النبوية؛ بحيث لا يجهل ولو حديثًا واحدًا.

لو أنّ المعرفة اللغوية مجموعة كما يتصوّرانها لما عرف أحد اللغة العربية؛ فالمعرفة ليست مجموعة، إنما هي تركيبًا تجريديًا، فالنحويّ مثلاً يعرف اللغة العربية، لكنه لا يعرفها بوصفها مجموعة، إنما معرفة تركيبية من التجريدات التي تُسمّى «نحوًا». وهنا تستحق أن تبقى في ذهن القارئ وهو أنّ النحو ليس موجودًا إلاّ في الذهن، وليس له واقع. فنظرية كنظرية العامل في النحو تصف الحديث باللغة العربية، لكنها مجرد نظرية مؤقتة؛ أيّ أنها فرضية، ومن ثمّ فالنحو في هدفه النهائي هو أنّ يقدّم نظرية واحدة لوصف نظام اللغة العربية، وليس الإحاطة بها بمعنى الجمع.

هناك فكرة أخرى تشير إليها عبارتا ابن فارس والشافعي، وهي أنّ المعرفة باللغة العربية ناتجة عن علمٍ إلهيّ، وفي هذا السياق يمكن أن نتذكر الآية القرآنية: «سُبحانك لا عِلم لنا إلاّ ما علَّمتنا» (البقرة، 32). وأنّ الشرط الذي يجعل بالإمكان معرفة اللغة هو أنّها معرفة من «الله»، الذي علّم الإنسان ما لم يعلم (النساء، 113). والوسيلة لكي تصل هذه المعرفة إلى البشر هي: «النبيّ».

يفترض هذا التصوّر لمعرفة اللغة أنّ الله تجلّى للنبيّ في صورة معلِّم، أو أنّه أوحى بها إليه، أو أنّ مَلَكًا نقلها إليه. وكما نلاحظ فإنّ من المفترض في كلّ هذه الحالات أن يكون النبيّ قد فَهِم، لكن فِهم النبيّ للغة الله يحتاج إلى أن يكون النبيّ نفسه على معرفة مُسبقة بهذه اللغة. ما يهمنا هنا هو أنّ هذا التصوّر نتج عنه فكرة تحكّمت في الفِكر اللغويّ العربيّ، وهي أن تقدّم اللغة تراجع.

لقد قلنا قبل قليل بأنّ النحو إنجازٌ بشريّ؛ وأنّه انطلق من تجربة البشر اللغويّة، وأنّه إنجاز اعتدنا على أن نصفه بأنّه إنجاز نظريّ. فلكي يشكّل العقل البشريّ المفاهيم النحوية يدرس عددًا محدودًا من الأمثلة تمتلك خصائص مشتركة ليعمّمها. لذا النحو لم يستقصِ كلّ اللغة العربية من أجل مفهوم كالفاعل، بل درس عددًا محدودًا من الجُمل، وتوصّل إلى قانون عمّمه على الجُمل المماثلة.

من وجهة النظر هذه يمكن أن نفهم إنجاز سيبويه الفريد؛ ففكرته العظمى يمكن أن نصفها بأنّها «تجربة فكريّة»، تعرض أسلوبًا جديدًا لتفسير نمط السلوك اللغويّ للمتكلّم باللغة العربية. وهذا إنجاز غير عاديّ بالقياس إلى أنّ الله يعلِّم الناس ما لا يعلمون. إنّ إنجاز سيبويه العظيم يتمثّل في أنّه اتجه نحو دراسة اللغة العربية؛ بدلاً من أن ينتظر على أمل أن يعلّمه الله شيئًا عنها.

 

6

قال سيبويه: «هذا باب الفاعل الذي يتعدّاه فعله إلى مفعول (الفعل المتعدي)، وذلك قولك: ضرب عبدالله زيدًا… فإن قدّمت المفعول وأخّرت الفاعل جرى اللفظ كما جرى في الأول، وذلك قولك: ضرب زيدًا عبد الله؛ لأنّك إنما أردت به مؤخرًا ما أردت به مقدمًا» (مج1، ص 34).

ماذا يعني سيبويه؟ وما أثر ما يعنيه في النحو؟ يعني سيبويه أنّ نظام اللغة العربية لا يعيّن مكانًا محددًا وثابتًا للكلمة. وما يعنيه هذا للنحو هو أنّ نظام اللغة هو الذي يرتب الكلمات، وأنّ هذه العملية تمثّل شرطًا أوليًّا لظهور علامات الإعراب؛ وأنّ ما يحدد نظام اللغة العربية الممكن والمحتمل والضروريّ لكلماتها ليس الإعراب، إنما هو نظامها ذاته.

يعني هذا أنّ الإعراب لا يحدد نظام اللغة الممكن أو الضروريّ، وما يحدد نظامها كنظام لغويّ لا يعيّن مكانًا ثابتًا لكلماته هو النظام نفسه؛ بوصفه تحليلاً ورصفًا متعاقبًا للمعنى الذي يمثّل الشرط الأوليّ ويفرض استخدام علامات الإعراب. وقد وصف ميشيل فوكو مثل هذا النظام بنظام: «المخيّلة والمصلحة» (انظر فوكو، 1990، ص 93). أيّ أنّ النظام الذي لا يعيّن مكانًا ثابتًا للكلمات، من طبيعته أن يعلِّم الكلمات بالإعراب. لا أعرف مدى دِقّة الترجمة العربية لهذا الوصف، لكن يمكن أن تُوحي بما يثير الانتباه إلى نظرية العامل في النحو العربيّ، من حيث هي نظرية: «المخيّلة والمصلحة»، بمعنى أنّ (العامل) موضع يظن فيه وجوده، بحيث يأتي بفائدة للمعنى.

من منظور هذا النظام اللغويّ الذي لا يعيّن مكانًا ثابتًا للكلمات كنظام اللغة العربية، فإنّ النحو ذو طبيعة تحليلية لا جمالية، وأنّ من طبيعته أن تكون طبيعته آمرة، لا لأنّه يريد أن يفرض لغة أمينة لقواعد الذوق السليم، إنما لأنّه يحيل الإمكانية الجذرية في التكلّم إلى تنظيم التمثيل، ومن ثمّ مقتضيات النحو ذات طبيعة تحليلية لا جمالية (فوكو، ص 91). عندئذ يمكن القول إنّ عبارة (قُل ولا تقل)، في سياق النحو العربيّ هي من طبيعة النحو الآمرة، لكن ليس من أجل جمالية الأسلوب، ولا من أجل أن تكون اللغة صحيحة؛ إنما لأنّ هذا الأمر من طبيعة النحو.

 

7

يُورد الزبيديّ في مقدمة كتابه «طبقات النحويين واللغويين»، ثلاثة أقوال للخليفة عمر بن الخطاب تتمحور حول فكرة تعلّم اللغة العربية، يلفت الانتباه، منها: «تعلّموا العربية؛ فإنّها تشبّب العقل، وتزيد في المروءة»، ويضيف إليها أقوالاً أخرى؛ يلفت النظر منها قول مالك بن أنس: «الإعراب حلْي اللسان، فلا تمنعوا ألسنتكم حلْيها»، وقول ابن شبرمة: «إنّ الرجل ليلحن وعليه الحزّ الأدكن؛ فكأنّ عليه أخلاقًا، ويعرب وعليه أخلاق؛ فكأنّ عليه الحزّ الأدكن» (ص 13).

ما علاقة هذه الأقوال بكتاب في ترجمة النُحاة؟ ما علاقتها بالنحو؟ وما علاقتها بالنحويين كمجموعة فكريّة تتبنّى أسلوبًا معينًا في التفكير؟ يهمل تاريخ النحو مثل هذه الأقوال، ولا يحلّلها، وأحيانًا يستخدمها ليغلّف النحو بغلاف دينيّ. وفيما نرى فإنّ فائدة هذه الأقوال وأشباهها تكمن في أنّها تبيّن العلاقة بين النحو كمجال للبحث، وبين قيم سائدة في المجتمع العربي آنذاك. نوع ما من الارتباط الذي يعبّر عنه ماكس فيبر: «ارتباط العِلم بالقيم» (انظر دوبوا، 2008، ص 52).

يرى فيبر أنّ المعنى بُنية ثقافية، وأساس هذا المعنى يفترض مسبقًا الارتباط بين الظواهر الثقافية وبين القيم. والمعنى فيما يخصّ موضوعنا أهمية العلاقة بين النشاط النحويّ، وبين قيم المجتمع العربيّ، في تلك المرحلة التاريخية، كالفصاحة باعتبارها قيمة جماليّة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى تدفع القيم النُحاة إلى اختيار المسائل التي يدرسونها، لكن ليس بالمعنى الذي تؤثّر فيه تلك القيم في أسلوب تفكيرهم، أو في النحو كبرنامج بحث؛ إنما بمعنى إعطاء الصبغة العاطفية للبحث.

لا يستطيع النحويّ أن يستخلص للنحو أيّ معنى من دون هذه القيم الاجتماعية التي تكسب النحو المعنى. النحو -فيما نرى- ذو معنى لأنّ النحويّ يربطه بأفكارٍ قيميّة. تتنوع هذه الأفكار بين قيم دينية وأخرى عِلمية، وسواءً هذه أو تلك، فالمهم ليس صواب إحداهما وخطأ الأخرى، إنما المهم هو أنّ النحو بدون أيّ منهما لن يكون ذا معنى عند النُحاة. يصبغ كلّ نحويّ النحو بصبغته التي تحددها إما القيم الدينية أو القيم العِلمية، وبذلك فالنحو مفهوم قيميّ إن صحّ التعبير؛ طالما أنّ النُحاة يعيدون ربطه بأفكار قيمية لها علاقة بالدِين أو بالعِلم.

لستُ متأكدًا ممّا سأقوله لذا فهو مجرد افتراض، وهو أنّ الحديث عن تيسير النحو وتجديده له علاقة بتصوّر الداعين إلى التيسير والتجديد للعلاقة بين النحو وبين قِيم المجتمع العربيّ؛ فنتائج تعليم النحو تتناقض مع القيم التي يُدرس من أجلها. مرّة أخرى نذكر بأنّنا غير معنيين هنا بصحتها سواءً كانت قيمًا دينية أو عِلمية، إنما معنيون بفكرة أنّ الداعين إلى تيسير النحو اعتقدوا ذلك؛ لذا طالبوا بتضييق النحو، كحذف نظرية العامل، والعِلل الثواني والثوالث، والقياس؛ إلخ.

 

8

بعد سلسلة من الإسناد يروي ابن جنّي -في كتاب «الخصائص»- خبرًا مفاده أنّ السجستاني ذكر في كتابه «القراءات»، أنّ أعرابيًا قرأ عليه في الحرم: «طيبى لهم وحسن مآب»، فقال السجستاني: طوبى. فقال الأعرابي: طيبى. فأعاد السجستاني: طوبى، فقال الأعرابي: طيبى. فلمّا طال الوقت على السجستاني قال: طوطو. فقال الأعرابي: طي طي. يعلّق ابن جنّي قائلاً: «أفلا ترى إلى هذا الأعرابيّ، وأنت تعتقده جافيًا كزًا، لا دمثًا ولا طيِعًا، كيف نبا طبعه عن نقل الواو إلى الياء فلم يؤثِّر فيه التلقين، ولا ثنى طبعه عن التماس الخِفّة هزّ ولا تمرين» (مج1، ص 76).

استنادًا إلى خبر كهذا، وأخبار أخرى مماثلة، وهي كثيرة في كتب النحو واللغة، هناك حاجة إلى طرح أسئلة جديدة عن نشأة النحو العربيّ من نوع: مَن نقل اللغة؟ وعن مَن نقلها؟ ليس في إجابتيهما المعروفة في التراث؛ أقصد اللغويّ، أو النحويّ، أو الأعرابيّ، إنما في كون النحويّ والأعرابيّ ذاتين إنسانيتين بظروفهما الخاصة الاجتماعية والثقافية والسياسية؛ إلخ.

لا يمكن أن يتجاهل تاريخ النحو أنّ النحويّ يواجه الأعرابيّ أولاً كشخص، ولا يمكن أن يكون نقله عن الأعرابيّ مجرد جمع لغويّ بدون أثر، وهذا النقل -في رأييّ- أكثر من مجرد نقل، فهو يعني بوعيّ أو بدون وعيّ الانتماء لقوة لها مصلحة في هذا الجمع. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأعرابيّ فلا يمكن أن نتجاهل أنه يواجه اللغويّ كشخص، ولا يمكن أن يكون نقله للغة مجرد مساهمة في التعريف باللغة بدون أثر، وما أراه هو أنّ هناك مصلحة شخصية لمشاركته اللغوية. وهذه التمايزات بين الناقل والمنقول عنه، تؤثِّر في الطرف الثالث وهو المتن اللغويّ المجموع.

تتضمن علاقة اللغويّ الخاصة بالمتن اللغويّ ملاحظات ملفتة للنظر؛ كعلاقة اللغويّ بالمكان اللغويّ لشواهده اللغوية والنحوية. فإذا ذهب هو نفسه لجمع اللغة من المكان فعلاقته مع المجتمع محصورة في التواصل؛ أيّ أنه لا يشارك في استعمال اللغة في الحياة اليومية، وإذا صحّ أنّ الأعراب يفِدون إلى الحضر لتقديم المادة اللغوية للدارسين والعلماء (مصطفى، 2017، ص25)، فإنّ اللغويّ والأعرابيّ هما الناشطان الوحيدان، ومن ثمّ فجمع المتن اللغويّ عملية غير محكمة.

لقد تناول الفِكر الحديث مثل هذه العلاقة المعقدة بين اللغويّ والأعرابيّ في سياق قضيةٍ فكريةٍ وعِلميةٍ كبرى، وبصياغاتٍ مختلفة كفرضيات الباحث ومسلّماته، أو الذات والموضوع، أو التجربة العِلمية والملاحظة، أو الملاحِظ -(بكسر الحاء)- والملاحَظ في الإجراءات العِلمية. وتكاد تتفق على عدم الحيادية، وأنّ معنى الموضوعية والحيادية يكاد يكون في هذا السياق باهتًا.

يمكن لمؤرِخ النحو أن ينوّع زوايا النظر إلى العلاقة بين اللغويّ وبين الأعرابيّ على أمل أن تتضح له أبعاد أخرى. يمكن أن يستعين على ذلك بمفاهيم معينة من حقل اللغويات الاجتماعية، كمفهوم التكيّف (سوان وأخرون، 2019، ص 19)، فالأعرابيّ يمكن أن يتحدث بالطريقة التي يريدها اللغويّ، أو مفهوم أفعال الهُويّة (نفسه، ص 21)، فالأعرابيّ يمكن أن يسلك سلوكًا لغويًا إمّا تشبّهًا بـ / أو تمييزًا لسلوكه اللغويّ عن سلوك لغويّ آخر. أو مفهوم المُخاطب المستقلّ (نفسه، ص 30).

الاحتمال قائم بأنّ الأعرابي يتحدّث مع أصدقائه أو أقربائه أو مجموعته اللغوية بشكل مختلف عن حديثه مع اللغويّ، أو مفهوم الكلام غير المتناظر (نفسه، ص 38)، فأحد الأعراب يختلف عن أعرابيّ آخر، وهذا عن ثالث لعدد من العوامل تتعلّق بالسُّلطة، والوضع الاجتماعي، وحتى بالنوع؛ فقد أشارت بعض الدراسات إلى أنّ حديث الذكور لا يتماثل مع حديث النساء في بعض السِّمات اللغوية. أو مفهوم عبور اللغة (نفسه، ص 210)، فالاحتمال قائم بأنّ الأعرابيّ يتحدث بنوعٍ لغويّ مرتبط بمجموعة لغويّة لا ينتمي إليها. وكذلك العُمر (نفسه، ص 26)، فعُمر الأعرابيّ متغيّر اجتماعي بارز في تنوع اللغة سواءً تعلّق الأمر بعُمره الزمني (سِنّه)، أو بمراحل حياته (شاب، كهل)، وكذلك موقف الجمع ذاته فإذا ما عِلم الأعرابيّ بأنّ اللغويّ يسجّل كلامه فسيحسنه، ويهتمّ به.

هل يعني هذا أنّ المتن اللغويّ الذي جمعه اللغويون غير محايد؟ هل يعني هذا أنّ اللغويّ والأعرابيّ غير موضوعيين؟ لا مجال هنا لإصدار أحكام قيّمة فتأجيل الحُكم من قِيم المعرفة الحديثة. ما أردته هو الإشارة إلى خصوبة مفاهيم اللغويات الاجتماعية بإشارة إلى بعض منها. وهو مجال خصب لتشغيلها في الدراسات العربية. فاللغة تعيش بين الناس، ومقاربتها من هذا المنظور سيفضي إلى نتائج ربما تكون مغايرة لما هو معروف. ويبقى الهدف من المقاربة ليس القول بالخطأ والصواب، ولا السِجال مع مقاربات أخرى، إنما في سياق عام هو سؤال اللغة ذاتها في أهمّ خصائصها الاجتماعية وهي التواصل. وإذا ما شئنا الاستعانة بمفهوم فلسفيّ فستكون المقاربة نقدًا بالمعنى «الكانطي» (نسبة إلى إيمانويل كانط). ما شروط إنتاج المعرفة اللغوية عند اللغويين القدماء؟ ولماذا  كانت المعرفة اللغوية التي أنتجوها على هذا النحو؟ وتطوير هذا النقد بأسئلة أخرى تتعلّق بموقع اللغويّ واللغة في الثقافة. كلّ هذا لا يكون في إطار السِجال مع أو إدانة علماء اللغة، إنما هو السؤال عن شروط إنتاج معرفتهم اللغوية، وكونها على هذا النحو القابل للنقد.

 

9

في الليلة الحادية والسبعين بعد التسعمائة من لياليّ «ألف ليلة وليلة»، تصف شهرزاد العلاقة بين حبيبيَن: «ثمّ باتَ معها بقيّة الليلة، في ضمٍّ وعِناق، وإعمال حرف الجرّ باتفاق، واتصال الصِّلة بالموصول، وزوجها كتنوين الإضافة معزول» ( بولاق، ج2، ص 562). إنّ من له معرفة بالمفاهيم النحوية، وكيفية اشتغالها سيفهم ما حدث في تلك الليلة بين الحبيبين، فحرف الجرّ وعلاقته بالاسم مجرور، والاسم الموصول وعلاقته بجملة الصِّلة، وحذف التنوين بسبب الإضافة؛ كلّ هذه الخلفية النحويّة توحي بزوجٍ وزوجته وعشيقٍ للزوجة، والضمّ وإعمال حرف الجرّ والاتصال بين الاسم الموصول وجملة الصِّلة تتكفل بالإيحاء ببقية الحكاية.

لكن ما علاقة هذا بالنحو؟ وأيّ قيمة لهذه العبارة بالنسبة للنحو كما نفهمه من جهة، ولمؤرخ النحو من جهةٍ أخرى؟ تكمن العلاقة في أنّ النحو كلغة واصفة، أيّ كلام على الكلام -كما عرفنا أعلاه- يتضمّن عدة ممارسات إحداها: «الممارسة اللعبيّة»، إذا ما استخدمنا ما يسمّيه رولان بارت في كتابه «البلاغة القديمة»، ليصف ممارسات مماثلة (بارت، 1984، ص 34). يعلّق مترجم الكتاب بأنّ بارت استعرض بعض الأمثلة، ومنها عبارة ألف ليلة وليلة هذه. وأنّه يسمّي مثل هذه الممارسة في سياق البلاغة: «البلاغة السوداء»، وهي تشكّكات واحتقارات وسخريات وألعاب وتلميحات شبقيّة، ونِكات؛ لأنّ البلاغة بممارساتها المختلفة شكّلت مؤسسة قمعية، ومن ثمّ ظهور ازدراء البلاغة.

لا يمكن أن نغفل عن هذا «النحو الأسود»، وهو تلميحات النحو الشبقيّة، كحكايات معلميّ النحو مع الغِلمان في التراث العربيّ. خذ مثلاً كتابًا ظريفًا ككتاب السيوطي «الرشف الزلال من السِّحر الحلال». يتضمن الكتاب عشرين مقامة يصف فيها عشرون عالمًا من مختلف التخصّصات الليلة الأولى من زواجهم، مستخدمين مصطلحات علومهم. يبدأ الكتاب بالمقرئ، وعلى التوالي يأتي دور المفسِّر، والمحدِّث، والفقيه… إلى أن جاء دور النحويّ، فقال: «لمّا جلسنا على الفراش، وقع الخفض (الجرّ) على الجوار (الجرّ بالمجاورة)، إذا حرّ (عضو المرأة) فيه مُجمل الحسن ومفصله (كتاب المفصل للزمخشري)، ارتقع (الرفع) أعلاه، وانضمّ (الضمّة) أسفله» ( السيوطي، 1997، ص 71).

لكن السيوطي لم ينتبه إلى أنّ مصطلحات العلوم في مقاماته لم تعد مصطلحات؛ لأنَّها عادت إلى معناها اللغويّ قبل أن يحدث «النقل المعرفيّ» من المعنى اللغويّ إلى المعنى الاصطلاحي. وإنّي لأتساءل من دون أن أكون قادرًا على الإجابة، ألا يوجد في هذه العودة ما يشير إلى ممارساتٍ اجتماعية لولادة مثل هذه المفاهيم؟ ألا يوجد علاقة بين هذه الممارسات الاجتماعية، وبين المفاهيم المُسماة نحويّة؟ وعلى أيّ حالٍ فهذه مجرد عيّنة لوصف النحويّ من مقامةٍ أدبية يتواطأ فيها النحو مع الشبق. وفيما نرى فإنّ تاريخ النحو لا يُمكن أن يتجاهل هذه الظاهرة الجنسيّة والشبقيّة في تراث النحو لا سيّما في كتب الأدب. وكما يقول بارت فإنّ هذا التواطؤ بين النحو وبين الشبقيّ والجنسيّ ليس مجرد هزل، لكنه رسم جدِّيّ، وانتهاك محرَمين، هما: محرَم اللغة، ومحرَم الجنس.

 

10

النحو العربيّ هو إخراج اللغة العربية إلى النّور؛ لتتحوّل تحت هذا النّور من المقدّس إلى الدنيويّ، وليُكشط لحمها وشحمها فلا يبقى منها سوى العظام. هذه هي الصورة البصرية التي تطفو في ذهني كلّما سمعت كلمة (النحو). لحم اللغة هو جمالياتها المتنوعة، وقيمتها التي تكاد تكون مقدسة عند بعض أساتذتها. لقد أبعدت الجماليات والقيم اللغة العربية عن (اللغة صفر) إذا ما استخدمت مصطلحًا أدبيًا، لأعني به اللغة في حالة التواصل التي تمثّل مجال اشتغال النحو، وأظن أنّ إحدى مشكلات النحو العربيّ الكبرى هي هذا اللحم الشِّعري والشَّحم الجمالي، هي هذه اللمسة الذهبية إذا ما استحضرت أسطورة الملك ميداس. كيف يمكن إذن التفكير ما دام الأمر على هذا النحو؟ أعتقد بأنّ تواضع اللغة العربية في حدودٍ معينة يسمح بالتفكير فيها. أقصد بتواضع اللغة العربية بشريّتها ودنيويّتها اللتين أتاحتا للنحويّ أن يقوم بعمله؛ فلو لم تكن اللغة بشريّة فكيف يتسنّى للبشر أن يعرفوها، ولو لم تكن دنيويّة فكيف يتسنّى للدنيويين أن يدرسوها. لذا فالفكرة الأساسية للنحو هي بمعنى ما أنّ البشر يمكنهم أن يعرِفوا ما يصنعون، وبذلك يخفت التفكير في اللغة العربية بمصطلحات التوقيف من الله، ولغة أهل الجنة؛ إلخ، وما قِيل عن تعاليها.

بطبيعة الحال ما زال هناك من يؤمن بهذا. ويُمكن القول لهؤلاء إنّ التراث ليس مجرد ربَّة منزل تكتفي بالحفاظ على ما اؤتمِنَت عليه، وتنقله دون تبديلٍ إلى الخَلَف (هيجل، 2002، ص 21). ليست الأجيال البشرية مجرد ربَّة منزل تكتفي بالحفاظ على ما اؤتمِنَت عليه، وتنقله دون تبديلٍ إلى الأجيال المُقبِلة. يكون هذا الأمر أكثر وضوحًا في الآراء المتعلّقة بالنحو. فكلّ جيل يوسِّع الآراء المتعلّقة بطبيعة النحو؛ بحيث يصبح كالنهر الذي يتسِع كلّما ابتعد عن منبعه. لكن هناك من أساتذتها مَن يريد أن يكون كربَّة المنزل.

 

————

المصادر والمراجع

– ابن جنّي (د . ت) أبو الفتح عثمان، الخصائص، حقّقه: محمد علي النجار( بيروت، دار الهدى للطباعة والنشر، الطبعة الثانية).

– ابن خلدون (2013) عبد الرحمن بن محمد، مقدمة ابن خلدون، تحقيق: درويش الجويدي (بيروت، المكتبة العصرية).

– ابن فارس (1977) أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، الصاحبي، تحقيق: أحمد صقر (القاهرة، عيسى البابي الحلبي وشركاه).

– الأندلسي (1984) محمد بن حسن الزبيدي، طبقات النحويين واللغويين، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (القاهرة، دار المعارف).

– الجاحظ (د . ت) أبو عثمان عمرو بن بحر، كتاب الحيوان، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون (بيروت، دار الجيل).

– الداني (1960) أبو عمرو عثمان بن سعيد، المحكم في نقط المصاحف، تحقيق: عزة حسن (دمشق، وزارة الثقافة والإرشاد في الإقليم السوري، مطبوعات مديرية إحياء التراث القديم).

– السيوطي (د.ت) عبد الرحمن جلال الدين، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، شرحه وضبطه وصحّحه وعنوَن موضوعاته: محمد أحمد  جاد المولى وآخرون (بيروت، دار الفكر، المجلد الأول).

– الصاعدي (2016) عبد الرزاق بن فراج، فوائت المعاجم، الفوائت القطعية والفوائت الظنية (جدة، الدار العصرية للنشر والتوزيع، الجزء الأول).

– العروي (2009) عبد الله، مجمل تاريخ المغرب (الدار البيضاء، بيروت، المركز الثقافي العربي).

– القرطبي (1982) ابن مضاء، كتاب الرد على النحاة،  تحقيق: شوقي ضيف (القاهرة، دار المعارف).

– ألن بو (2015) إدغار، الأعمال النثرية (1)، ترجمة: غادة الحلواني (القاهرة، المركز القومي للترجمة).

– باختين (1986) ميخائيل، الماركسية وفلسفة اللغة، ترجمة: محمد البكري ويمنى العيد (الدار البيضاء، دار توبقال للنشر).

– بارت (1984) رولان، البلاغة القديمة، ترجمة وتقديم: عبد الكبير الشرقاوي (المغرب، الفنك للنشر باللغة العربية).

– باشلار (2002) غاستون، الفكر العلمي الجديد، ترجمة: عادل العوّا (بيروت، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع).

– دوبوا (2008) ميشال، مدخل إلى علم اجتماع العلوم، ترجمة: سعود المولى (بيروت، المنظمة العربية للترجمة).

– سوان (2019) جون وآخرون، معجم اللغويات الاجتماعية، ترجمة: فواز محمد عبد الراشد العبد الحق، وعبد الرحمن حسني أحمد أبو ملحم (الرياض، مركز الملك عبدالله بن عبد العزيز لخدمة اللغة العربية).

– سيبويه (د . ت ) أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، كتاب سيبويه، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون (بيروت، عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، مج1).

– طنطاوي (1995) محمد، نشأة النحو، وتاريخ أشهر النحاة (القاهرة، دار المعارف).

– فوكو (1990) ميشيل، الكلمات والأشياء، ترجمة: مطاع صفدي، وآخرون (بيروت، دار الإنماء القومي).

– فيرستيج (2007) كيس، أعلام الفكر اللغوي، التقليد اللغوي العربي، ترجمة: أحمد شاكر الكلابي (طرابلس، دار الكتاب الجديد المتحدة، ج3).

– كانغيلم (2016) جورج، ماهي الأيديولوجيا العلمية؟ في الأيديولوجيا والعقلانية، في تاريخ العلوم، ترجمة: إياس حسن (دمشق، دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع).

– مصطفى (2017) عادل، مغالطات لغوية (القاهرة، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة).

———-

[1]  – انظر: إيديولوجيا نحوية نموذجية في هذا الكتاب.

[2]  – انظر المدخل.

مررها   كن جزء من مجتمع مرّرها اشترك بنشرتنا.